الطالب والمطلوب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أراشدي الرَّاجِحُ. إنِّي امُرؤٌ | غاض مَعيني.. وخَبَتْ جَذْوتي! |
كيف تُرَجِّي الماءَ من ناضبٍ؟! | وكيف تبغي الجمر من رَغْوَةِ؟! |
قد أرْمَدَتْ جَمْري الخُطوبُ التي | عَدَتْ. فلم تُبْقِ على وَقْدي! |
وجَفَّفَتْ نَبْعي فَلَمْ تُبْقِ لي | ما يَنْفَعُ الغُلَّةَ مِن مُهْجتي! |
فليس لي بعد شبابي الذي | وَلَّى سوى رَاعِشِ شَيْخُوخَتي! |
* * * | |
كانَ الهوى يُشْجِي بآلائِهِ | ويَسْتَفِزُّ الحُسْنُ مِن صَبْوَتي! |
واليَوْمَ لا حُسْنَ.. ولا صَبْوَةٌ | بعد أُفُولِ البَدْرِ من لَيْلَتِي! |
البَدْرُ كانَ العَزْمَ يا صاحِبي | وقد تَوَلَّى. فَطَغَتْ ظُلْمَتي! |
وأَنْتَ تَدْعوني لأُمِّ القُرى | للِشَّدْوِ.. للتَّرْنِيمِ في مَكَّتي..! |
مكَّةَ ما أَكْرَمَها مَوْطِناً | فإِنَّها –رَغْمَ الجَوَى- جنَّتي! |
وُلِدْتُ في بَيْتٍ بِها مُشْرِقْ | بالحُبِّ تَخْتالُ بِها حَبْوَتي..! |
كُنْتُ صَبِياً يَكْتَوِي بالنَّوى | بِاليُتْمِ.. بالشَّوْقِ إلى صُحْبَةِ! |
يَشْتاقُ صَدْراً حانِياً.. حابِياً | مِن التي وَلَّتْ بلا رَجْعَةِ! |
ويَكْتُمُ الشَّوْق لِكَيْلا يَرى | إشْفاق من شَبَّ بلا لَوْعَةِ! |
كنْتُ سَرِيعَ الدَّمْعِ لكنَّني | ما تُبْصِرُ الدَّمْعَ سوى خَلْوتي! |
* * * | |
ومن حِمى مكَّةَ كنْتُ الفَتى | والرَّجُلَ الطّامِحَ لِلرِّفْعَةِ! |
دَرَسْتُ في صَرْحٍ بِها شامِخٍ | بالعِلْمِ.. بالأَفْذاذِ.. بالصَّفْوَةِ! |
كانُوا رجالاً.. أنْجُماً في الدُّجى | تَكْشِفُ للسَّارِي صُوى الرِّحْلَةِ! |
يا رَحْمَةَ الله تَجَلِّي لَهُمْ.. | فإنَّهُمْ أَجْدَرُ بالرَّحْمَة.! |
ولِلرِّفاقِ الشُّمِّ.. من رَاحِلٍ | وعائِشٍ في السَّفْحِ والذُّرْوَةِ! |
كُنَّا أشِقَّاءَ.. فما نَسْتَوي.. | إلاَّ على الوُدِّ بلا جَفْوَةِ..! |
أَوَّاهِ ما أَحْلا الزَّمانَ الذي.. | كُنَّا به نَرْفُلُ في نِعْمَةِ..! |
فَقَفْرَتِي كانَتْ بِه رَوْضَةً | فكيف لا أَصْبُو إلى رَوْضَتي؟! |
وشِقْوَتي كانَتْ به رِقَّةً | تَحْنُو.. فما أَحْلا بِهِ شِقْوَتي! |
كم أَلْهَمتْني الشِّعْرَ أَشْدو بِهِ | كالطَّيْرِ في العُشِّ.. وفي الدَّوْحَةِ! |
ثم اسْتَرَدَّتْ ما أفاءَتْ بِهِ | فَعُدْتُ بَعْد اللِّينِ كالصَّخْرةِ |
* * * | |
يا راشِدي الرَّاجِحُ.. لَيْتَ المُنى | تَسْخُو على المُبْيَضِّ من لِمَّتي..! |
فانْظُمُ الشِّعْرَ بلا عائِقٍ.. | يَعُوقُ من هذا الخَوى المُسْكِتِ! |
أَصْغَيْتُ.. أَصْغَيْتُ. وصَدَّ الهوى | عنِّي. وغابَ الحُسْنُ عن مُقْلَتي! |
فهل أَنالُ الصَّفْحَ من سَيِّدٍ | يَطْلُبُ مِنِّي الشَّدْوَ في عِزْوتي؟! |
يا ليْتَني أَقْوى فَأَطْوِي المدَى | إليه كَيْ أَسْعَدَ من رِحْلَتي! |
وأَلْتَقِي بالصَّحْبِ من مكَّةٍ.. | طابَتْ وطابُوا.. فهو أُمْنِيَتي..! |
* * * | |
يا راشِدي الرَّاجِحُ.. كُنْ عاذِري | فَهذِهِ يا سَيِّدي قِصَّتي! |