آذنتنا أيامنا بانقناء
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا لياليَّ في الحِمى لستُ أَنْسَا | كِ على ما حملتِ من إقلاقِ |
فكأنّا ما غاب عنا رؤاها | أو سقانا كأسَ المنيّة ساق |
فارجِعي يا طيوفَها آمناتٍ | لا تخالي الردى سريعَ اللحاق |
لا يُطيف السلوّ بالذاكر المُشْـ | ـتَاقِ، والشوقُ مِيسم العشّاق |
يا دياري التي حبَبَتُ ويا أَنْـ | ـفَسَ ما قد ذخَرْتُ من أعلاق |
يا أحبّايَ في ربوعي الغوالي | والمديدَ المديد من آفاقي |
سدّد اللهُ في الحياة خُطاكم | وكفاكم مزالقَ الإخفاق |
ورعاكم، وزانكم بسجايا | خالداتٍ على الليالي بواق |
يومَنا المرتجى! تباركتَ يوماً | أنتَ في علم ربّنا الخلاّق |
تتلاقى الأحبابُ في أفقكَ الرَّحْـ | ـبِ، وتشفى من حُرقة الأشواق |
هي في غمرة البقاء شَحارِيْـ | ـرُ، تغنّتْ بذكرياتٍ رِقاق |
قد رَقَتْ في فضاء ربّيَ هَيْمى | وَهْيَ لمّا تزل تُحبّ المراقي |
قد نزعنا ثوبَ الحياة قشيباً | وجرعنا الردى بكأسٍ دِهاق |
وأفقنا وللصباح عبوسٌ | والدجى الوَحْف قاتمُ الأعماق |
ملّتِ النفسُ صحوَها وكراها | واصطباحي من همّها واغتباقي |
فمتى أستريح من عبئها القا | سي، وأنجو من سحرها البرّاق؟ |
يا مغيبَ الحياة أنسيْتَني النُّوْ | رَ، وأقصيْتَني عن الإشراق |
ومحوتَ الوجودَ إلا رسوماً | أوثَقَتْها يدُ البِلى في وَثاق |
نطقتْ بالمبين من مُحكَم القَوْ | لِ، وأفضتْ بسرّها المِغلاق |
وجثتْ لا تردّ عنها العوادي | لا ولا تشتهي الخيالَ الراقي |
آذنَتْنا أيامُنا بانقضاءٍ | وانطلقنا من قيدها الخنّاق |
أعتقتنا المنونُ من أسرها الصَّعْـ | ـبِ، ومِمّا حوتْ من استرقاق |
ما انتفاعي بالبدر تِمّاً إذا كا | نَ هلالي تِرْبَ البِلى والمُحاق؟ |
رُبّ ليلٍ أمدّه القلبُ بالنُّوْ | رِ، وليلٍ محلولك الأَطباق |
أنا من بعدكم حنينٌ وسُهدٌ | لستُ أخشى سُهدي ولا إفراقي |
بين قلب على الأحبّة خَفّا | قٍ، وطيفٍ على المدى طرّاق |
ذلكم يا شقائقَ الروح والقَلْـ | ـبِ، سبيلي، وتلكُمُ أخلاقي |
فإذا غبتُ فالمعاد وشيكٌ | لمحبّ مُعذّبٍ مِقْلاق |
وَدّعِ الصحبَ يا صريعَ الرزايا | ففراقُ الأحباب غيرُ مُطاق |
وتأهّبْ فإنّما أنتَ ظلٌّ | راجف من تنقّل وانطلاق |
والدياجي لا ترهب القاحمَ الفَرْ | دَ، ولا تستبدّ بالسبّاق |
كلُّ غصنٍ إلى بِلىً وذبولٍ | مثل رسمٍ مُهَدّمٍ أحذاق |
كيف يعتاقني الحِمام عن الأَهْـ | ـلِ، ولا يُرمض الحِمام اعتياقي؟ |
أنا في قبضة الإله!.. وكم أَحْـ | ـمَدُ رقّي وكم أحبّ وَثاقي |
فاذهبي يا حياةُ كَلَّ ذهابٍ | واطرحيني من ليلك الغسّاق |
وخُذي ما أمضّني وعَناني | في ديار الإفقار والإملاق |
تاقتِ النفسُ للخلاص من الأَسْـ | ـرِ، وحنّتْ إلى المطاف الواقي |
فمتى يا تُرى يتمّ انطلاقي؟ | ومتى يا ترى يحين انعتاقي؟ |
قد كفتْنا الحياةُ همّاً وغمّاً | وشفتْنا المنونُ مما نلاقي |
نتساقى كؤوسَنا مترعاتٍ | ولكم لذَّ في الجِنان التساقي |
حِرتُ في الموت والحياة، وأَعْيَا | نِيَ صحوي، وطاب لي إغراقي |
يا لَسُمٍّ نلذّه، وذُعافٍ | يحتسيه اللديغُ كالترياق |
لا يحوم الشفاء حول مِهادي | والضّنى المرّ آخذٌ بالخناق |
فاسترحْ أيها السقيمُ المعنّى | من فؤاد مُروَّعٍ خفّاق |
نضبتْ أكؤسُ الهوى، وامّحى البِشْـ | ـرُ، ولاح الفراق خلف العناق |
وتعرّتْ خيلُ الصّباء من الأُنْـ | ـسِ، وأَكْرِمْ بخَيْله من عِتاق |
وطويتُ الشبابَ في ورق العُمْـ | ـرِ، وودّعتُه بدمعٍ مُراق |
فارقدي يا حياةُ في كهفك الحا | ني، وفي مهدك الوثير الباقي |