الشاعر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خَلِّياهُ يـَنـحْ على عَـذَباتِـهْ | ويَصُـغْ من دُموعـه آياتهُ |
ويُرَتـلْ ألحـانـه بخشـوع | مُـستمدّاً من العُـلى نَغَماتهْ |
لا تُثيرا به كـمائـنَ صـدرٍ | رَدَّدَتها الأحزانُ في أبـياتِـهْ |
ورواها فـمُ الزَّمانِ بشَـجْـوٍ | فحسـبْنـا بَناتِـهِ من رُواتِهْ |
ثم جارَتْ بَغياً وعَقَّتْ أباهـا | غيرَ هَيأبَةٍ أذى سَـخَـطاتِـهْ |
فاستطالتْ من غير ذنبٍ عليهِ | واسـتباحتْ بصَرْفِها عَزَماتِهْ |
ورَمتهُ في مَهدهِ بالـرزايـا | وجَزتْهُ الأسى على حسـناتِهْ |
فجرى والأسى وليدَيْنِ حتى | أدركَ الكُنْهَ من مَطاوي عظاتهْ |
والأسى مَنْهَلُ النفوسِ اللواتي | لم يَرُضها الزمانُ في نَكباتِـهْ |
** | |
وتَوارى عن العِيان وأمسـى | في مُصَلاّهُ يَشـتـكي عَثراتِهْ |
وعِتابُ الأيام شـِبهُ صـلاةٍ | فاتركاهُ مُستغرقاً في صَلاتِـهْ |
واجثُوَا قيدَ ظِـلهِ بسـكـونٍ | وأصيـخـا لبثّهِ وشَـكاتـهْ |
هَيكلٌ يبعثُ القنوطَ إلى القَلـ | ـب بما لاحَ من جَليّ صِفاتهْ |
مَنْ يحدّقْ إليه يُبصرْ ملاكـاً | نُورُهُ سـاطعٌ بكـلِّ جهاتـهْ |
باسطاً كَـفَّهُ يُناجـي مليكـاً | خاشِعَ الطرف من جلالةِ ذاتهْ |
كَتَبَ البؤسُ فوق خَديهِ سطراً | تتـراءى الآلامُ في كلماتـه: |
للـهوى قلبُهُ، وللشـجوِ عَينا | هُ ، وللعالميـنَ كـلُّ هباتِـهْ |
وهو نهبٌ لحادثـاتِ الليالي | وحلالٌ للدهر قـرعُ صَفاتـهْ |
ينطوي في سبيل أبناءِ دنـيا | هُ ويلقى من دهـرهِ نائباتـهْ |
بفؤادٍ واهٍ وصدرٍ رحـيـبٍ | وادعٍ، غير صاخبٍ من أذاتِهْ |
يَتلقّى بصبـرهِ نَزوةَ الدَّهـ | ـر ويشـكـو لربّهِ نَزَواتـه |
** | |
شاعرٌ صاغَهُ الإلهُ من البـؤ | سِ وأبدى الأسى على نظراتهْ |
وحَباهُ السِّحرَ الحـلالَ فغنّى | شـاكراً ربَّه علـى نَفحـاته |
وسَريُّ النظيم ما كانَ وحيـاً | فالهوى والشعورُ في طيّاتـه |
وسَرِيُّ النظيم ما كانتِ الحِكـ | ـمةُ فَيّاضـةً على جَنباتـه |
** | |
شاعرٌ يمزج المدادَ من الحز | ن يذوبِ اللُّجين من عَبَراتـه |
ثم يستنزفُ النجيعَ من القلـ | ب فيجري رطباً على صفحاته |
يسـتمدُّ اليراعُ منـه مِـداداً | فهو يُغني عن طرسـِهِ ودَواته |
عَلَّلَ النفسَ دَهـرَهُ بالأماني | غيـر ما ناظـرٍ إلى عقباتـه |
كلُّ مَنْ في الوجودِ يَجني مُناه | وهو يُقصى عن نيلهِ ثَمراتـه |
** | |
يا سماءَ الخيالِ جـودي عليـهِ | وامنحيهِ الإلهـامَ في نفثاتـهِ |
واطبعيهِ على الشـعورِ يُخـلّدْ | لكِ أسمى النظيم في ذِكرياته |
مَعبد الحبِّ شِيدَ في قفص القلـ | ب مُحاطاً بالظلِّ من قَصَباته |
والفؤادُ الناقوسُ يقرعُهُ الوَجْـ | ـدُ بأوتارِ حسِّـهِ من لَهاتـه |
فيفيضُ الهوى عـلى جانبيـه | كلما رنَّ من صَـدى دقاتِـه |
يُسمعُ الصخرَ شِعره وشَـجاهُ | فتَلينُ الصخـورُ من أنّاتـه |
ثم تجري على رَويّ القوافـي | وتحاكي الموزونَ من نبراتـه |
وطيورُ السـماءِ تأخـذُ عنـهُ | حينَ يشدو المثير من سَجعاته |
** | |
يَخلُدُ الشاعرُ الحزين إذا قطّـ | رَ أنفاسـَهُ على صَفَحـاتـه |
يومُهُ مثلُ أمسِـهِ في شـقاءٍ | ولعلَّ الرَّجـاء طـيَّ غَداتِـه |
إنْ دَجا الليلُ يَرقُبُ النجم أسـيانَ | ويُـزجي إلى العلى زَفَراتـه |
لا الدجَى نازحٌ ولا الفجرُ يَرثي | لشَجيٍّ أدنى الردى خطواته |
لو تراهُ –والليلُ ساجٍ صموتٌ- | لتفطرتَ من شَجا صَعقاتـه |
سادراً في مجاهل الفكر حَيْرا | نَ يُرجِّي نَجاتَهُ من عُداتـه |
مُنشداً في دَياجر الليـل آيـا | تٍ طواها الهواءُ في نَسَماته |
... يا فؤادي إذا أجنّكَ ليـلٌ | وسَئمتَ الحياةَ في ظُلماتـه |
وتَطلَّعتَ للصباحِ وقد ضَـل | ونـورُ العليل في بَسَـماتـه |
لا تقلْ: يا ظلامُ سَعـَّرتَ نيرا | ناً بقلب يـذوبُ مـن آهاتـه |
عَلّ في الليل رحمةَ لوجيـعٍ | أغـرقَته الآلام في سَـكَراتِهْ |
مُمعنٍ في الكرى يزيدُ التياعاً | كلما لجّ!َ في عمـيقِ سُـباته |
فـإذا ما استفاقَ أبصرَ فجراً | حَيّرَ الفكر من سـنا لمعاته |
إنّ فـي الفجر روعةً قَسَمتها | يَـدُ خَلاقِنـا على كائناتـه |
عمّتِ العالمينَ لم تبقِ حـتى | مُعدماً طاحَ في هوى حَسَراته |
بهجةُ الكون في الصباح تَجلّى | ولـذيذُ الحيـاة في أوليـاتـه |
** | |
بينما الشاعرُ الحزينُ يُناجـي | ربَّه والصـباحُ في بشـرياته |
غابَ عن عالم الشقاءِ وفاضت | رُوحه وانطـوى ببُرد نجاتـه |
فاتـركاهُ يَنعمْ بـنوم طويـل | عَلّ في الموتِ راحةً من حياتهْ |