أهواء
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
أطلي على طرفي الدامع | خيالا من الكوكب الساطع |
ظلا من الأغصن الحالمات | على ضفة الجدول الوادع |
وطوفي أناشيد في خاطري | يناغين من حبّي الضائع |
يفجّرن من قلبي المستفيض | ويقطرن في قلبي السامع |
****** | |
لعينيك للكوكبين اللذين | يصبان في ناظريّ الضياء |
لنبعين، كالدهر، لا ينضبان | ولا يسقيان الحيارى الظماء |
لعينيك ينثال بالأغنيات | فؤاد أطال انثيال الدماء |
يودّ، إذا ما دعاك اللسان | على البعد لو ذاب فيه النداء |
****** | |
يطول انتظاري، لعلي أراك | لعلي، ألاقيك بين البشر |
سألقاك. لا بد لي أن أراك | وإن كان بالناظر المحتضر |
فديت التي صوّرتها مناي | وظل الكرى في هجير السهر |
أطلي على من حباك الحياة | فأصبحت حسناء ملء النظر! |
****** | |
اطلّي فتاة هواي والخيال | على ناظر الرؤى عالق |
بعشرين من ريقات السنين | عبرن المدرات في خافقي |
بعشرين كلاّ وهبت الربيع | وما فيه من عمري العاشق |
فما ظل إلا الربيع صغير | أخبّيه للموعد الرائق |
****** | |
سأروي على مسمعيك الغداة | أحاديث سمّيتهن الهوى |
وأنباء قلب غريق السراب | شقيّ التداني ، كئيب النوى |
أصيخي .. فهذي فتاة الحقول | وهذا غرام هناك انطوى |
أتدرين عن ربة الراعيات ؟ | عن الريف ؟ عما يكون الجوى |
****** | |
هو الريف هل تبصرين النخيل ؟ | وهذي أغانيه هل تسمعين |
وذاك الفتى شاعر في صباه | وتلك التي علمته الحنين |
هي الفنّ من نبعت المستطاب | هي الحبّ من مستقاه الحزين |
رآها تغني وراء القطيع | كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين |
***** | |
فما كان غير التقاء الفؤادين | في خفقة منهما عاتية |
وما كان غير افترار الشفاة | بما يشبه البسمة الحانية |
وكان الهوى ، ثم كان اللقاء | لقاء الحبيبين في ناحية |
فما قال : أهواك ، حتى ترامى | عياء على ضفة الساقية |
****** | |
وأوفى على العاشقين الشتاء | ويوم دجا في ضحاه السحاب |
خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل | وإلا العصافير فهو ارتقاب |
وبين الحبيبين في جانبيه | من السّعف في كل ممشى حجاب |
فما كان إلا وميض أضاء | ذرى النخل وانحل غيم وذاب |
****** | |
ويا سدرة الغاب كيف استجارا | بأفنانك الناطفات المياه |
رآها وقد بلّ من ثوبها | حيا زخ فاستقبلتها يداه |
على الجدع يستدفئان الصدور | على موعد كل آه بآه |
سلي الجدع كيف التصاق الصدور | بهزّاتها، وابتعاد الشفاة ؟ |
****** | |
أشاهدت يا غاب رقص الضياء | على قطرة بين أهدابها ؟ |
ترى أهي تبكي بدمع السماء | أساها وأحزان أترابها ؟ |
ولكنّها كل نور الحقول | ودفء الشذى بين أعشابها |
وأفراح كلّ العصافير فيها | وكلّ الفراشات في غابها |
****** | |
وذاك الخصام الذي لو يفدّي | لفديت ساعته بالوئام |
أفدّيه من أجل يوم ترفّ | يد فيه أو لفتة بالسلام |
ومن أجل عينين لا تستطيعان | ان تنظرا دون ظل ابتسام |
تذوب له قسوة في الأسارير | كالصحو ينحل عنه الغمام |
****** | |
خصاماً ولما نعلّ الكؤوس ؟ | أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟ |
خصاماً ، وما زال بعض الربيع | نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟ |
خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون | إذا لألأ النّور أن تنظرا؟ |
وهل توقفين انعكاس الخيال | من النهر، أن يملك المعبرا ؟ |
****** | |
أغاني شبابتي تستبيك | وتدنيك مني، ففيم الجفاء ؟ |
كأن قوى ساحر تستبدّ | بأقدامك البيض، عند المساء |
ويفضي بك الدّرب حيث استدار، | إلى موعدي بين ظلّ وماء |
على الشطّ، بين ارتجاف القلوع | وهمس النخيل، وصمت السماء |
****** | |
وحجبت خدّيك عن ناظري | بكفيك حينا وبالمروحات |
سأشدو وأشدو فما تصنعين | اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟ |
وأرخيت كفيك مبهورتين | وأصغيت، واخضل حتى الموات |
إلى أن يموت الشعاع الأخير | على الشرق، والحب، والأمنيات |
****** | |
وهيهات، إن الهوى لن يموت | ولكنّ بعض الهوى يأفل |
كما تأفل الأنجم الساهرات | كما يغرب الناظر المسبل، |
كما تستجمّ البحار الفساح | ملّيا، كما يرقد الجدول |
كنوم اللظى، كانطواء الجناح | كما يصمت الناي والشمأل ! |
****** | |
أعام مضى والهوى ما يزال | كما كان، لا يعتريه الفتور |
أهذا هو الصيف يوفي علينا | فنلقاه ثانية، كالزهور |
ولكنهمن زهور الخلود | فلا أظمأت ريّهنّ الحرور |
ولا نال من لونهّن الشتاء | ولا استنزفت عطرهن الدهور |
****** | |
أغانيّ ، والغاب قفر الوكون | حبيس النسائم تحت الدوالي |
ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير | حريقا بما فوقه من ظلال |
وفوق التعاشيب، حيث الغصون | ينؤن بأفيائهن الثقال |
لها مضجع هدهدته العطور | أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟ |
****** | |
أأمسيت استحضر الذكريات | وما كان بالأمس كل الحياة؟ |
أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام | أماتت على الأغنيات الشفاة؟ |
أنمسي، ومازال غاب النخيل | خضيلا وما زال فيه الرعاة، |
حديثا على موقد لسامرين : | أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟ |
****** | |
أناديك لو تسمعين النداء | وأدعوك أدعوك! يا للجنون |
إذا رن في مسمعيك الغداة | من المهد صوت الرضيع الحنون |
ونادى بك الزوّج أن ترضعيه | ونادى صدى أخفتته السنون |
فما نفعها صرخة من لهيب | أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟ |
****** | |
أعفّرت من كبرياء النداء؟ | وأرجعت آمادي القهقرى؟ |
نسيت التي صورتها مناي | وناديت أنثى ككل الورى ؟ |
وأعرضت عن مسمع في السماء | إلى مسمع في تراب القرى ! |
أتصغي فتاة الهوى والخيال | وأدعو فتاة الهوى والثرى؟ |
****** | |
وودعت سجواء بين الحقول | ودنيا عن الشر في معزل |
وخلفت في كل ركن خصيل | من الريف ذكرى هوى أول |
قصاصات أوراقي الهامسات | بشعري على ضفة الجدول |
وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه | ونايا يغني مع الشمأل |
****** | |
فمن هذه المسترق القلوب | صبى ملؤها روح الطافرة |
أما كنت ودعت تلك العيون | الظليلات والخصلة النافرة؟ |
كأني ترشفت قبل الغداة | سنى هذه النظرة الآسرة ! |
أما كان في الريف شيء كهذا ؟ | اما تشبة الربة الغابرة؟! |
****** | |
مشى العمر ما بيننا فاصلا | فمن لي بأن أسبق الموعد ؟ |
ولكنه الحبّ منه الزمان | ثوان ومما احتواه المدى |
أراها فانفض عنها السنين | كما تنفض الريح برد الندى |
فتغدو وعمري أخو عمرها | ويستوقف المولد المولدا |
****** | |
وهل تسمع الشعر إن قلته | وفي مسمعيها ضجيج السنين |
أطلت على السبع من قبل عشر | ين عاما وما كنّ إلا جنين ؟ |
وأمسى ولم تدر أنت الغرام | هواها حديث الورى أجمعين |
لقد نبّأوها بهذا الهوى | فقالت : وما أكثر العاشقين ؟! |
****** | |
أمن قلبه انثال هذا النشيد | إليها، إلى الذئبة الضارية ؟ |
ولو لم يكن فيه طعم الدماء | ما استشعرت رنة القافية |
وما زال تسبيه غمّازتان | تبوحان بالبسمة الخافية |
وما زالتا تذكران الخيال | بما كان في الأعصر الخالية |
****** | |
وبالحب والغادة المستبد | صباها به ، يلعبان الورق |
وكيف استكان الإله الصغير | فألقى سهام الهوى والحنق |
رهان، رمى فيه غمّازتيه | وورد الخدود، ونور الحدق |
لك الله ، كيف اقتحمت القرون | ولم يخب في وجنتيك الألق ؟ |
****** | |
كأن ابتسامتها والربيع | شقيقتان ، لولا ذبول الزهر |
أآذار ينثر تلك الورود | على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟ |
ففي ثغرها افترّ كل الزمان | وما عمر آذار إلا شهر |
وبالروح فديت تلك الشفاة | وإن أذكرتني بكاس القدر ! |
****** | |
أطلي على طرفي الدامع | خيالا من الكوكب الساطع |
وظلا من الأغصن الحالمات | على ضفة الجدول الوادع |
وطوفي أناشيد في خاطري | يناغين من حبي الضائع |
يفجرن من قلبي المستفيض | ويقطرن في قلبي السامع |