الآن .... |
والعلم برتقالة |
تدور في بنفسج الأرواح |
من قوة ذاك السائل الوحشي في أعماقها |
تفتح تلك الشفرة العديمة الألوان للبوح |
على غرائز وجهك الذابل من أعوامي |
ليلتين في السرير |
وصمتك المرتاب طائر مقيد صغير |
تم احتضار العالم القديم |
وارتخت قبضته |
لم يبق إلا طلقة الرحمة في جبينه الجنائزي |
ثم تطلق العصافير إلى بلادها |
ويرجع الأسرى الذين فحمتهم رحلة الليل |
سوف يعود مركبي العتيق مثلهم |
لكنني مدبق القميص بالدم البنفسجي |
والصمغ الذي تفرزه العودة في الخد الرمادي لكل الذكريات |
والشبابيك التي ولى صباها |
ولا تنامي فإني أشتم طيات دموعي |
تنشر الآن |
وأصوات احتجاجات على التأخير |
في مرائي الأغراب والتلكؤ الحزين |
لم يبق إلا أن ارتب الغربة في صندوقنا |
مع الثياب والأوراق والمهانات |
التي سمعناها |
من المستنقع الموبوءة في غياهب السنين |
هذا دخان المركب الكبير يا حبيبتي |
يجلو القناديل المدلاة على الميناء |
يا للزرقة الملائكية الجناح |
يا للنار تلقي نورها السحري في وجه المعذبين |
إنهم ينتزعون ذلك الروح العنيد في المرساة |
حتى تستطيل العضلات في وجوههم |
وينصتون للمحيط في قراره الرهيب |
لقد دفنا نصف من نحبهم في جزر الملح |
واقعينا على الشاطئ كالفقمة في صمت |
وكانت سفن الأغراب تلقي بفتات الخبز |
في وجوهنا |
لكنني نهيت بعد ذلك الموت الكبير |
لم أعد من المكوث والرحيل |
لم أعد هنا |
علمني البحر في أن أنام في أزقاقه السري |
منصتا لعالم الأعماق |
والتنفس الماسي |
للؤلؤ |
والتواصل ألغرائزي |
والأسماك والسكون |
يا رحم اللؤلؤة والنخيل |
يا بلادي يا حزينة البيوت |
مدى يد الوشم |
فقد عدت إليك بالمعاضد الخضراء من حياتي |
يا حزينة البيوت |
والآن |
والعالم برتقالة تدور في بنفسج الأرواح |
من قوة ذاك السائل الوحشي في أحشائها |
عدت إليك حاملا شفرة هذا الكون |
وانتهت طفولتي |
وصرت من طفولة الوجود |
واختلط البحر المتنفس بلعتم |
برائحة الليل الفضية |
والغمغمة الرطبة تقطر من صمتك |
والأشباح تمسك في وهج الظلمات |
بأن هنالك ساحل وهم |
وهم... |
وهم.. وامرأة تبكي |
أي مزاج هذا مزحه اللّه |
فلا يترك إلا القشرة تغريك بزاوية البحر |
وأنت بزاوية أخرى |
وتمد يديك |
تمدهما تخترق الساعات |
وتخترق الليل |
وجيوش السفن الأخرى |
لوثت القلب |
وشعر شم نساء الأرض بفخذيك |
ويمسح من رئتيك دخان مواني |
يعوى الثلج بها |
وعوانس تبحث عن رجل |
أهمل في بعض قمامات الليل |
رأى الميناء يضيع فأجل رحلته |
أمسك حبل الميناء |
فمي جدوى حبل سفينته إن ضاع الميناء |
غسلت عيوني بالجعة الذهبية |
كي يترنح هذا الحزن |
وحطمت على أرصفة الغربة كأسي |
غازلت البعض شظايا الكأس |
شظايا لا يمسكني أحد |
كي لا يمسكني أحد صرت شظايا |
أجرح حتى حين أنام |
يا ولد البحر ترجل |
في طيك أسلحة |
في طيك أحلام |
يا ولد البحر الأزرق |
موحشة عيناك |
كأن الإبحار اجتمعت فيها |
لتسر بشهوتها |
إن يلقى يوسف ثانية |
وزليخة هذه المرة تعبي |
قدت من كل جهات اللحم |
حريرا مغسولا أنهكه الغسل |
وكاد تمزقه الأيام |
واختلط البحر |
وكنت على سطح القمرة |
ملقى كالسمك النتن |
نخثر كل دوار البحر بعينيك |
وتوشك أن تغرق في اللجة |
بعد ثوان |
يا ولد البحر ويعلوا الزورق ثانية |
وبحب هواء الليل |
موزعة عيناك |
كأن الغرباء يقصون حكايتهم فيها |
وتهرب صفقة أفيون |
وتعلقت بنات الموجة |
فالبحر سديم مجنون |
أين شجاعتك الآن ؟ |
إن كتاب الليل مخيف يقتل قارئه |
فتشجع |
أنت غدا إحدى أوراق كتاب الليل |
ويقرؤك الجهلاء الأتون |
أي مزاج هذا مزحه اللّه |
فإن كتاب الدنيا صار مملا |
ولعل اللّه يفكر إلا يكمله الآن |
ويشرع في دنيا أخرى |
وعلى الرف سنطوي تحت غبار الأزل البني |
لعل اللّه يعاوده الشوق ليكمل قصتنا |
أرسي المركب يا ولد البحر |
كبرت على الرحلات |
وصارت عيناك تنزان دموعا |
حيث تحدق في ألومن الآتي |
وترعش كفاك الحاضنتان لعود الكبريت |
وأنت تضيء سراج القمرة |
للأغرار بعلم البحر |
تريهم خارطة الحزن... |
هنا وطني |
أول شيء في الدنيا أعرفه يا أحفاد |
وآخر شيء يعرفني |
وينحني الأحفاد وراءك مسحورين |
كمرجان البحر |
بلادي ملك الورقاء |
أضاع العشب |
وضاجع في الأرز بكارة عشتا خضراء |
وقام من العمش السنوي |
يطهر في أصل الماء |
بكارت الشبق البصلي |
وسجى صاحب عينيه بغابات الأرز |
بكى كالشجر اليابس قدام الموت |
نواح يسمع في سفن اللؤلؤ في اليم |
ورائحة الزعتر والعرعر |
في سهل الروح ورب الأسوار |
وباني أسقفه العبد عاد قتيلا |
يا ولد البحر |
موشاة أحلامك بالشعر |
كأن الكوفة فيها وأبا الطيب سهده الهم |
فأشعل تفعيلة شعر قنديلا |
وتشخص عيناك كبوصلتين إلى بلد النخل |
ويغلب فيك جلال الطين |
ومئذنة أبهية يأتي اللّه احتار بعالمه |
وتعبت من البحر وتكره فعل الإرساء |
وليس لها من هدف هذي الرحلة |
أنت قفزت وحيدا في الجبل العلوي |
ومكتشفا وحدتك القصوى ورأيت |
لقد كان شمول أنت |
وصول فيه ويكمن فيه الأزل الكل |
وملتصقا بالرحم الكل كيمن ورد |
يحمل تجربة العطر وتاريخ النشوان |
ومشاكل هذي الدنيا |
وفقدتك حين رجعت من الرؤيا |
كان لساني أصغر من ألف مبيض للسوسن |
والليمون |
وطيور السندس تجتاز الصمت |
وينفش الريش الأخضر في ليل عيوني |
فاجأني الصحو المتفجر |
حاصرني فقر الألوان |
هددني المالك بالطرد |
وأقفل سفر الرؤيا |
أعرف إن هنالك لاقطة |
زرعتها أجهزة اللقط |
لذاك نزعت ثيابي وتعريت على باب الدنيا |
هذا جسدي الموشوم بكل الشهوات |
واخبار الغزو الليلي |
وخوض القصب الجارح في الأهواز |
وقائمة الجلد الرجعي |
ما رست جميع الأفعال السرية |
فاستدعيت صباحا |
أعلنت ممارستي بالقلم السري |
وأبعد عن البلد المعني يتهمة قذف |
قلت نعم... |
قلبي حرضت |
وقلبي بين الوعي وبين جنوني |
نفيت وبالقلم المشحوذ |
دخانا كتبوني |
فاسدة هذه البضة |
فاسدة يا ولدي لا يخرج منها عصفور |
فلماذا تحمل عش البيض الفسد |
في دوحة كفيك حريصا |
ألق العش إلى البحر |
تحرر من أنك ملتصق بالبر |
وغمر |
فالكل على الكل مغامر |
والعلم أجساد وخناجر |
هاتوا صخرة بركان سوداء |
لا حفر زهر جنوب السودان |
وصوت البوق الأزلي |
وزمجرة السحر الأسود |
في قدم الراقصة السوداء |
فإن البرق سيفتح باب الخوف على مصراعيه |
بفجر كيس الطلع بجسمي |
تتفجر برقا أوردتي |
هاتوا أيديكم |
أعطي الوحي لكم |
كيف أسجل الأف الأجراس |
بحجل تفطط منه الأقمار |
هل أسد أفزع هذا النهد |
العبد تفضض أنسجة كغزال مولود |
فأخذت أمسحه بخدودي |
لسعتني النار |
هاتوا صخرة بركان سوداء مطهرة بالنار واقة مسك لاصب |
قوالب من هذا العبد الأبدي |
ومبخرة ومسارج للرقص |
وكوزا أرسم وشي بني العباس السفاح |
وسافرت إلى الغابات |
ظبي ذبح الآن |
وللنبع عصافير |
نقطة ضوء حرقتني في الفخذ اليسرى |
ملت.. |
فضخ الكون عصافير ملونة |
صعدت على سلم زقزقة |
فاهتز الشجر الموغر بالتمر الهندي |
غطاني السندس |
أغمضت |
وصدع من خرزة أمس |
وفي رأسي نهد والنهد لقد فر مع الطير صباحا |
وتحريت مطارات العالم |
لم أسمع غير الكذب |
وأقعى طفل في عفن الشمس |
تغوط في دعة وتمسح كالجن |
بآخر تصريح في صحف الأمس |
وللنبع المجرور إلى الظل |
وتسحبه الشمس ببطء |
كل عصافير الغابات ومأتم ظل في قلبي |
والخرطوم تذيع نشيد الزجا |
يحمل رأس ثلاثة ثوريين |
ووجه نمري منكمش كمؤخرة القنفذ |
أين ستذهب يا قاتل |
يا قنفذ |
الناس عراة في الشارع |
الناس بنادق في الشارع |
الناس خحيم |
أي الأبواب فتحت |
فهنالك نار |
وللّه جنود من عسل |
وعلى رأسك يا (محجوب) |
رأينا سلة خبز تأكل منه الطير |
في ساعات الصبح سيمثل إسمك فيك |
وضج الكون دما وعصافبر خرساء |
مفقأة الأعين |
وارتفعت أدخنة الكيف الدولي |
إلهي أي مزاج تمزج هذا |
ليسدل شيء فوق المسرح |
أنا ملك الترحال على قدمي |
وتج التيجان على رأسي حبة قمح |
والأعداء يدوسون على فخذيها |
وتصلي وبكاء الثور قريب منها |
ورعاة الليل |
يهزون فوانيس الفرح الوحشي لماعزة |
تلد الآن |
ومرسة الأطفال على التل |
وفوق السبورة حرف عربي |
مخزن طلقات |
أعطاني الأطفال رسوما |
لمراع وقرى وطفولات مزقها الأحباش |
فأين سأعرضها وأنا لا املك غفوة عين |
والأطفال كثرن على قدمي |
وحررني السير المتواصل في الشمس السوداء |
أعطاني السهل المفتوح غناء الثور |
وكنت كأشجار الصمغ لهذا الفرح البحري |
أنوح فإن الأخبار تجيء الآن |
بأنك تقتتلين بلا معنى |
حوطت عليك ضلوع اللوعة يا باكر |
إن رياح قوادات تتجمع من كل الدنيا |
وقيادات باعتك |
لعن اللّه الولد الغارز مقودة الخشبي |
في ثدييك ليزداد حليبه |
وصرخت بوادي الرحمة |
يا اللّه أعمي في ولد يزني في بقعة مولده |
أصوات جنودك |
والكيزان الذهبية مشرعة |
أبدا ويموت الأعداء |
وتصطف السفن السود على المرسى |
لا يتقوس ظهر الثورة إلا يصبح قوسا |
أعرف بين جنودك عبد اللّه |
وآدم.. والولد الأسود ( دكنج) |
وأعرف موسى يا بلد الثورة... |
والأشجار |
لقيتك في بلد الأخزان عروسا |
ناديتك في الليل حبيبة |
قليل إن الفارب يغرق إذ يتمايل صاحبه |
وإن البقرلت يمتن وأنت الراعية السوداء |
إلهي ليسدل شيء فوق المسرح |
كل الأدوار إرتبكت |
********** |