أرشيف الشعر العربي

مقطع عرضي..من حياةِ رقاصِ الساعة

مقطع عرضي..من حياةِ رقاصِ الساعة

مدة قراءة القصيدة : دقيقتان .

كان مثنى كالمصعدْ

يهبطُ…

يصعدْ…!

لكنَّ مثنى قرَّرَ أنْ يتوقَّفَ عن هذا التعبِ اليوميِّ،

المللِ المُتكرِّرِ..

أنْ يَفتَحَ نافذةَ القلبِ على البحرِ المُزْبِدْ

أنْ يركضَ، يركضَ، حافي القدمين، على العُشْبِ الناعمِ

أنْ يتمدّدْ

أنْ ينسى كلَّ عواءِ السَيَّاراتِ…

ضجيج المدنِ الملغومةِ بالآلاتِ، وبالأضواءِ

موسيقى الديسكو، الإعلاناتِ

اللهث وراءَ اللُقمةِ

صافرة الشرطيِّ،

أنين المصعدْ..!

ومثنى…

لمْ يسكرْ في بارٍ

لمْ يختلسِ النظراتِ لساقِ فتاةٍ في سُلَّمِ باصٍ

لمْ يَسرِقْ تيناً من بستانِ أحدْ

ومثنى لمْ يَدخُلْ مدرسةً

ويُصدِّق أنَّ الأرضَ تدورُ

وأصلَ الإنسانِ "من القِرْدِ"..

وما خبّأ تحت وسادتهِ قمراً مجنوناً

أو أُغنيةً لـ "أم كلثوم"

أو ديناراً من شغلِ الأمسِ

ولمْ يبكِ على ما فاتَ

ولمْ يحقدْ…

ومثنى… آهٍ

أَضْبَطُ من رَقَّاصِ الساعة

في الثامنةِ المعتادةِ يذهبُ للشغلِ

وفي الثانيةِ المعتادةِ يرجعُ للبيتِ

وبين الشغلِ، وبين البيتِ

أضاعَ مثنى عنوانَ النهرِ، الصَحْب،

الأشجار،

وضيَّعهُ الأصحابُ

ومقهى يرتادون

وشقراء.. لمْ تجنِ منه سوى الخجلِ القرويِّ

وسَلَّةِ تمرٍ، وحكاياتٍ بيضاء…

فعافتهُ وحيداً

مُحتَرِقَ الأجفانِ أمام الشُبّاكِ الموصدْ

ماذا لو يسترخي الآنَ أمامَ النافذةِ المفتوحةِ..

طولَ الصبحِ..

ويتركُ هذا الجرسَ الأحمقَ.. يقرعُ حتى…

ماذا لو يذهبُ للبستانِ – كما كان مع الأصحابِ –

ويجمعُ بعضَ السعفِ اليابسِ

يشوي ما اصطادَ من الأسماكِ.. على الجرفِ

ويأكُلُ حتى التخمة…

ماذا لو…

يركضُ خلفَ فَراشاتِ طفولتهِ الغافيةِ الآنَ

على أكمامِ الوردْ…

ماذا لو ينسى – لدقائق – أنَّ العالمَ

مشحونٌ بالأتعابِ..

وبالدُخَّانِ الأسودْ

ماذا لو.......

........

لكنَّ مثنى، وهو يُفكِّرُ أنْ يوقفَ سيرَ المصعدْ

يسرعُ نحو الشغلِ – كعادتهِ –

يجلِسُ خلفَ الطاولةِ المتآكلةِ الأطرافِ

يُفكِّرُ بالترفيعِ..،

وخمسةِ أفواهٍ زغبٍ

وحياةٍ كالريحْ..!

* * *

6/5/1984 الكوفة

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عدنان الصائغ) .

الإسكافي الكهل

ثورة

زهـرة عباد الشمس

لوليو

ألوان