أرشيف الشعر العربي

آخر المحطات.. أول الجنون

آخر المحطات.. أول الجنون

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

- هي..؟

- لا....

في الطريقِ المؤدِّي لموتي الأخيرِ

اِنْكَسَرَتُ على حافةِ النافذةْ

فتشظَّيتُ فوقَ المقاعدِ

لملمني نادلُ البارِ – وهو يلوكُ أغانيهِ – والفضلاتِ

تلوكُ المدينةُ بعضي

وبعضي توزَّعَ في الثكناتِ

(السنينُ شظايا..

ولحمي عراءْ..)

ما الذي صنعتْ فيكَ هذي المدينةُ

أين ستمضي بهذا الخرابِ الذي هو أنتَ..

(تتكيءُ الآن فوق الأريكةِ

.. ساهمةً

رُبَّما هي تُصغي لنبضِ العصافيرِ فوق الغُصُونِ

رُبَّما ستقلّبني كالمجلّاتِ..

أو رُبَّما…)

- سأقنعُ نفسي بأنَّكِ لستِ التي..

- ………

ها أنتَ منكسرٌ كالمرايا

ومنتثرٌ كالشظايا

تحاولُ أنْ تنتقي وطناً للجنونِ

فيفاجئكَ الحرسُ الصَلفون

ينامون

بين قميصِكَ، والنبضِ

(- ماذا تحاولُ..؟

أو تَحْلُمُ الآن..؟

- ……

لا شيءَ………)

أنتَ؛ يا أَيّها الولدُ الصعبُ، ما لكَ محتدماً هكذا

تُفتِّشُ في المصعدِ الكهربائيِّ عن وطنٍ

وتنامُ على حجرٍ في الرصيف

كأنَّ الذي

- بين جنبيكَ -

زئـبقَـــــــ [لا] ــــــــقـلـبَ…

.............

............…………

- هي…؟

- لا…

- شَعرها..!

.. انكسارُ الندى في الجفونِ!

وهذا الطريقُ اللذيذُ إلى الشفتين..!

- قد تتوهّمُ.. أنتَ تراها بكلِّ النساءِ

- ولكنَّها...

- رُبَّما يُخطِيءُ القلبُ - يا سيِّدي – مرّةً

إذْ يزاحمهُ الهمُّ..

- لا

.. الرمادُ يُغطِّي المدينةَ والقلبَ..

(ها أنَّنِي في شظايا المرايا، ألملمُ نفسي

مقعدٌ فارغٌ

وزمانٌ بخيلْ..)

- .. إنَّما حَدَسي لا يخيّبني

سأقولُ لكلِّ الشوارعِ: إنِّي أُحِبُّكِ

أهمسُ للعابراتِ الجميلاتِ فوق مرايا دمي المُتكسِّرِ:

إنِّي أُحِبُّكِ

للياسمينِ المشاغبِ،

للذكرياتِ على شُرفةِ القلبِ:

......... إنِّي أُحِبُّكِ

للمطرِ المتكاثفِ،

للواجهاتِ المضيئةِ،

للأرقِ المرِّ في قدحِ الليلِ،

للعُشْبِ،

للشجرِ المتلفّعِ بالخوفِ،

للقمرِ المتسكّعِ تحت جفونكِ:

إنِّي أُحِبُّكِ…

…………

……………

………………

الصبيُّ المشاكسُ شاخَ…

وأنتِ…!؟

أما زلتِ مجنونةً برَذَاذِ النوافيرِ

أَذكُرُ كنّا نجوبُ الشوارعَ

نَحْلُمُ في وطنٍ بمساحةِ كَفِّي وكَفِّكِ

لكنَّهم صادروا حُلْمَنا..

ها أنا الآنَ، أنظرُ من شقِّ نافذةٍ

للشوارعِ

وهي تَضِيقُ..

تَضِيقُ

تَضِيقُ

فأبكي…

(غرفةٌ موحشة

ورقٌ وذُبابْ

وبذلةُ حربٍ.. عَلاها الترابْ)

…………

…………

اجلسي، رَيْثَما تستردُّ القصائدُ أنفاسَها

فأحكي لعينيكِ

حتى يَحُطَّ على شُرفةِ الرمشِ

طيرُ النُعاسِ

سأبدأُ من أولِ الحربِ

أو آخرِ الحبِّ

هل نبتدي هكذا:

غيمةً في كتابٍ يقصُّ الرقيبُ عناوينَ أحزانِها

زهرتين تضجَّان من فرحٍ أَبْيَضٍ..

وغماماً بخيلْ

أم تُرى ننتهي بالزمان القتيلْ

سأبدأُ:

مرَّ المحبّون

- تحت غُصُونِ المواعيدِ، ذابلة -

وانتظرتكِ..

مرَّ الجنودُ المستجدُّون للحربِ

مرّتْ خطى الفتياتِ، فساتينُهنَّ القصيرةُ كالأمنياتِ

نيونُ الشوارعِ، والحافلاتُ…

فما التفتَ القلبُ..

إلّا لهمسِ خطاكِ

على شارعِ الذكرياتِ الطويلْ

اجلسي، رَيْثَما تستردُّ دموعيَ أنفاسَها

والزمانُ فواتيرَهُ

(كأنَّ الذي مرَّ

سبعُ دقائق

لا سنواتٌ مُثقَّبةٌ

بجنونِ انتظاري)

لا الذكرياتُ

ولا الشِعرُ

لا النَدمُ المرُّ…

يُرْجِعُ ما قد تساقطَ من ورقِ الحبِّ

اجلسي رَيْثَما…………

......

عيوني دُوارٌ كثيفٌ

وأرصفةٌ

ونثيثُ مطرْ

(سأحكي لها عن بصاقِ المدينةِ

عن صحفِ اليومِ، والحربِ،

والمصطباتِ الوحيدةِ، مثلي…)

وأقولُ لكلِّ المحطّاتِ: إنَّكِ باقيةٌ

وأقولُ لقلبي: بانّكِ لنْ تتركيني كما الأخريات

فيوهمني الصيفُ أنّكِ محضُ سحابٍ

وأنّكِ أبعدُ مِمَّا توهّمتُ

إنَّ القصيدةَ أبعدُ مِمَّا تصوّرتُ

* * *

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عدنان الصائغ) .

مقطع عرضي..من حياةِ رقاصِ الساعة

ذلك البكاء الجميل

همس

عـزلة

مقطعان