أسبلتْ رِمْشَها الأسودَ |
واستسلمتْ - مُلتذَّةً – لحُلْمِها |
(راقبتُ انكسارَ شفقِ الشرودِ على شحوبِ وجنتيها |
راقبتُ وجيبَ أصابعِها على خطوطِ الطاولةِ المتعرّجةِ |
راقبتُ...) |
انتبهتْ فجأةً لضياعي في شوارعِ عينيها الممطرتينِ |
بلا مظلّةٍ ولا هدفٍ... |
إلى أين أمضي بقلقي هذا؟ |
كعلامةِ استفهامٍ حائرةٍ |
ولا جملةً على الورقِ |
(لماذا هذا الشرودُ المستمرُّ الذي أضبِطُهُ |
متلبّساً به كلّما اقتربَ منِّي...؟) |
ما الذي أبغي أنا، |
وحيداً |
أمام هذا المدِّ الأسودِ الشاسعِ |
أمواج سوداءُ، سوداءُ |
تتلاطمُ ولا قاعَ |
تمتدُّ ولا سواحلَ |
تسيحُ ولا كُحْلَ |
لا نهايات حيثُ تهيمُ النظراتُ، حيث تغرقُ الأحلامُ، حيث ينتهي بياضُ العالمِ البليد |
سوداء ، سوداء |
أشدّ كثافةً من الليلِ، وأندى من هذا الفاحمِ المُسبلِ على كَتِفَيكِ... |
لا سواحلَ.. |
الجروفُ يأكُلُها زعلُ الأمواجِ |
وأنا حزينٌ بلا زورقٍ ولا قصيدةٍ ولا مظلّةٍ |
وحيدٌ كرُبَّانٍ فقدَ بوصلتَهُ |
ظاميءٌ كغريقٍ |
أَتَعَلّقُ برمشكِ الطويلِ |
ناسياً اهتزازَه، صعوداً وهبوطاً |
عَبَثاً أتشبَّثُ بزوارقِ الذكرياتِ المثقُوبةِ |
عَبَثاً أتشبّثُ بعروقِ الكلماتِ |
عَبَثاً أتشبّثُ برمشكِ الأسودِ المُضْطَرِبِ |
أمواجٌ سوداء ، سوداء ... |
تتلاطمُ، تصطخبُ.. ثم تهدأُ... |
تاركةً زَبَدَ الحنينِ |
يغسِلُ الرمالَ وصخورَ الأماني والنسيان |
زَبَدٌ، زَبَدٌ، هو كلُّ ما سيبقى لكَ |
هو كلُّ ما ستحصدهُ من حديقةِ السرابِ |
التي جلستَ على بابها - ذاتَ يومٍ - تنتظرُ الياسمينَ والأشرعةَ |
زَبَدٌ، زَبَدٌ، يا لمواعيدها |
زَبَدٌ، زَبَدٌ، كأحلامِكَ المشرّدةِ |
تحتَ شُرفةِ عينيها السوداوين |
زَبَدٌ، زَبَدٌ، كلُّ ما بَقِيَ بين يديكَ... |
أمّا مياه البحرِ فقد تسرَّبتْ من بين أصابعكَ إلى الأبد |
لا شيء غير الزَبَدٌ |
زَبَدٌ، زَبَدٌ |
* * * |