"سأجلسُ في المقهى، لأتخذ، قراراً |
حولَ حياتي |
نعمْ حياتي أنا… |
لكنْ، بحق الشيطان |
أهذهِ حياة… |
تستحقُّ أنْ يُؤخذَ لها قرار" |
يونايبسن – شاعرة دنماركيَّة – |
. |
. |
. |
أَهرُبُ من الشوارعِ، باتجاه النسيانْ |
أَهرُبُ من ذكرياتِ أمطارِ يديكِ على نافذةِ قلبي |
باتجاهِ عزلةِ المقهى |
أَهرُبُ من البحر: أمواجِ ضَفيرتِكِ – وأَقْصِدُ – |
اضطرابَ القصيدةِ |
باتجاهِ رمالِ الندمِ: نسيانكِ – وأَقْصِدُ - |
النثرَ اليوميَّ |
أَهرُبُ من الدقائقِ التي تنبضُ بكِ |
إلى الساعةِ العاطلةِ، العَقَارِبِ الواقفةِ على منتصفِ الذبول |
أتعَبَتني الذكرياتُ |
وآنَ لي أنْ أَستريحَ على أَيَّةِ مصطبةٍ هادئةٍ |
كأميرٍ مخلوعٍ |
بعيداً عن الأبهةِ والشموعِ وجوقةِ المنشدين |
ماداً خطايَ على امتدادِ الشوارعِ والنسيانْ |
الذكرياتُ وحدها التي تؤلمني أينما حللتُ |
الذكرياتُ: بقايا الكرزاتِ |
الذكرياتُ: رائحةُ شَعركِ في كلِّ الشوارعِ |
الذكرياتُ: انكسارُ المطرِ على شرشفي الأصفرِ |
الذكرياتُ: رصيفُ الزعلِ |
الذكرياتُ: القطارُ الراحلُ جنوباً باتجاهِ صيف شفتيكِ |
الذكرياتُ: الأغاني الذابلةُ من فرطِ النُعاسِ والبوحِ والانتظارِ |
الذكرياتُ: ساعي البريدِ الذي لا يحمِلُ رسائلَ إلى أحدٍ |
الذكرياتُ: التي ضيَّعتني تماماً |
ذكرياتُ الرمادِ والخنادقِ والمطرِ الأسودِ |
أيّتُها الذكرياتُ |
آنَ لي أنْ أغادرَ مراياكِ إلى الكتبِ التي لمْ أقرأها بعدُ |
آنَ لي أنْ ألملمَ شظايا نفسي من الحاناتِ. |
وأرجع إلى البيتِ – كهولتي المبكّرةِ – قبلَ الواحدةِ على الأقلّ |
آنَ لي أنْ أُعِيدَ ترتيبَ جنوني كي أصلحَ للنشرِ |
آنَ لي أنْ أشربَ فنجانَ قهوتي الصباحيَّة |
بعيداً عن صباحكِ العاطلِ في المصعدِ العاطلِ |
آنَ لي أنْ أفتحَ رئتيَّ على اتساعِ الغاباتِ |
وأطلق عصافيرَ أيّامي الباقية |
– التي لمْ يُجَفِّفْها الصيفُ والأقفاصُ والقنابلُ – |
بعيداً، باتجاهِ الأفقِ والغُصُونِ البليلةِ والموسيقى |
آن لي أنْ أُحرِقَ أوراقي |
وأستقيلَ من هذهِ الوظيفةِ الرتيبةِ |
موظّفَ أرشيفٍ في متحفِ الذكرياتِ |
أجمعُ الصورَ القديمةَ وطوابعَ الأحزانِ والأسماءَ التي انقرضتْ |
لن أنتظرَ سنَّ التقاعدِ – كما يفعلُ الآخرون – |
ففي صدري رجلٌ فوضويٌّ |
لا يُحِبُّ غرفَ الأضابيرِ الصفراء |
ولا يطيق رائحةَ أدويةِ التحنيطِ |
وداعاً أيّتُها الذكريات المحنّطة |
* * * |