أصيحُ: بلادي |
فأجفلُ |
هل تتذكَّرُ أختامهم في الجواز |
الصبيُّ الذي نامَ في السجنِ حتى استفاقَ |
على الصافراتِ تجرُّ المدينةَ من إبطها للملاجيء |
كان بين وميضِ سجائرهم، وتنمّلِ جلدِكَ فوق البلاطِ |
مسافةُ ظلِّ الجدارِ الذي يَفصِلُ البحرَ عن شفتيكَ |
الخطى تتباعدُ.... |
هل يتباعدُ ما بين مقصلتي، والقصيدةِ |
هذا المدى.... |
شهوةٌ في التقدّمِ |
أم طعنةٌ في التقادمِ |
أفتحُ نافذتي |
فأرى الأفقَ أكثرَ من وطنٍ |
يتشكّلُ غيماً، أُعَلِّقُ حُزني فيه... وأرحلُ |
كان الفراتُ على بُعدِ كأسٍ بمقهاك |
كانتْ منائرُ بغداد تمشي قبيلَ الغروبِ إلى الجسرِ |
كي تتوضّأَ في ماءِ دجلة |
مَنْ سوّرَ النهرَ؟ |
مَنْ أَبْعَدَ النخلَ عن ليلِ نافذتي؟ |
......................... |
أحمِلُ القلبَ خبزاً يتيماً |
أوزّعهُ بين أهلي وبين المنافي |
على قدِّ ما شردّتنا الدروبُ |
الدموع التي سوف تتركها النادباتُ |
على قبرنا.... |
ثم يَعبُرنَ في الحَلَكِ المرِّ |
خشيةَ أنْ يستدلَّ نباحُ الرصاصِ على جرحِنا |
أقولُ لصَحْبي: ألا تُبصِرون دمي يابساً في الغُصُون؟ |
كلّما نصبوا حاكماً |
نصبوا |
ألفَ مشنقةٍ |
وانقسمنا على الموتِ |
بين الحروبِ |
وبين السجون |
أصيحُ: بلادي |
وأَشْهَقُ... |
أحتاج حِبْراً بمقدارِ ما يشهقُ الدمعُ في فمنا |
لأَكْتُبَ أحزانَ تاريخنا |
وأنسلُّ من مدنٍ كالصفيحِ إلى صدرِ أمّي |
ألملمُ هذا الحنينَ الموزّعَ بين الحقائبِ |
.... والوطنِ المتباعدِ |
خلف زجاجِ المطاراتِ |
يأخُذُني للشتاتِ |
ويتركني للفُتاتِ |
كلّما عَبَرَتْ غيمةٌ |
اِتَّكَأتُ على صخرةٍ |
قابضاً جمرتي |
وألوّحُ: |
تلك بلادي |
....................... |
....................... |
أَرْسُمُ درباً وأمحوهُ |
أَرْسُمُ خطواً ويمحوهُ غيري |
فمن أين أبدأُ....؟ |
* * * |
21/9/1994 عمّان |