أرشيف الشعر العربي

بكائية على بحر القلزم

بكائية على بحر القلزم

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

-1-

أغني لتلك السواحلِ

يمضغها الرملُ ،

يأكلها وجع’’ من بطونِ التواريخِ ،

اتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،

تغزلُ من موجهِ خيمةً

يستريح بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ.

أغنّي وصوتي مئذنة’’ حملتها الرّياحُ ..

تُزفزفُ من آخرِ الزمنِ الآسيويِّ –

فريح’’ تُدحرجها للوراءِ

وأُخرى تلوذ بها للأمامِ – الذي

يتحصنُ بين الشذى والبهارْ .

-2-

أغني لرملِ السواحلِ

احتشدتْ فيه أشباحُ عشاقِ عصرٍ

من النورِ كانَ ،

وإنّ عصورا من النورِ سوف

تجيىءُ .. مع النورسِ القُلْزُميِّ ..

ومن كلِّ صوبٍ وحدبٍ

مع الخيلِ والليلِ .. والفرحِ المستجيشْ .

أغني لرملِ السواحلِ

والصوتُ يَعلو .. ويَسمو

وينثالُ فوق القراميدِ ،

يُدلج في البحرِ

يضربُ في البِّر ...

حتى إذا أدركته المرافىءُ

حطَّ لكي يستريحْ .

-3-

يساورني –

حين ألقاكَ نهباً مباحاً لكلِّ قراصنةِ البحرِ...

كلِّ لصوصِ أُوربا ..

وكلِّ نفاياتِ آسيا – بكاءْ .

فأمتشقُ السيفَ والنصلَ

أغزوكَ ،

أغزو المروءةَ فيكَ

وأغزو البطولةَ فيكَ

وأنتهرُ الخيلَ كي تستفيقَ ..

وأنتهرُ العربَ القدماءْ .

وأخرجُ فيكَ بجيشيَ..

لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،

جندُه باع دنياهُ

واقتحم الموتَ ..

متظراً في الحدودِ الإشارةَ

حشداً من الشهداءْ .

فقُمْ .. أيها البحرُ ..

قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،

لنعطي الاشارةَ

للواقفين صفوفاً .. كُتوفاً

من البابِ للبابِ ..

بالسيفِ والنصلِ والكبرياءْ .

-4-

فها هي ذي السُفنُ العربيةُ

تنشرُ فوق البحارِ القُلوعَ ...

تعود محملةً بالتوابلِ والعاجِ والعطرِ والآبنوسِ

من الهنِد والبونِت ،

طالعةً في أعالي البحارِ

وهابطةً في المرافىءِ بالفوز والربحِ .. والانتصارْ .

وهاهُم على ساحليْكَ يعودون

رُوماً .. وفُرساً..

بطالمةً .. ويهودْ..

وها هو أبرهةُ الحبشيُّ يحصر مكةَ بالمنجنيقِ..

وبغدادُ – حاضرةُ الشرقِ – مذبوحةُُ للوريدْ..

وهاهي كلُّ مداخلك الآنّ مسدودة’’ بالمغولِ

وكلُّ مخارجك الآنّ محروسة’’ بالتتارْ .

فقُمْ .. أيها البحرُ..

قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،

لنعطي الاشارةَ ..

نعطي البشارةَ

للواقفين صُفوفاً .. كُتوفاً

من البابِ للبابِ ..

يمضُغهم وجعُ الانتظارْ.

-5-

أغني لرمل السواحلِ ،

يا أيُّها الوجعُ المستبد بنا .

أيُّها المستبيحُ مراقدَنا

مثلما تفعل النارُ في الأرضِ

حين تمورُ ،

كما الشوقُ في القلبِ حين يروادنا العشقُ

أو نتداركه في خريفِ الزمانْ.

أما حان أنْ يطلع البدرُ فينا

فنلقاهُ عند الثنياتِ ..

بالدُّفِّ والكفِّ .. والمهرجانْ..

نشيلُ البيارقَ –

تِلوَ السيوفِ-

وفوق الكتوفِ ،

ندوسُ بها فوق جيشِ المغولِ

الذي استراح..

وقد استباح رمالَ السواحلِ ،

يمضُغها وجع’’ يستبد بنا

كلَّ آونةٍ من أوانْ .

-6-

أغني لرملِ السواحلِ .

صوتي مشتعل’’ كصهيلِ جوادٍ من الحُلمِ ،

من أولِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي

من آخرِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي ،

من كلِّ نجدٍ من الزمنِ

القُرشِّي اللسانْ .

أغني لرمل السواحلِ

متكئاً فوق سَجادِه العربيّ

أشاهدُ وجهَ عليّ

وخالدَ بن الوليدِ

وطارقَ بن زيادَ

وأيوبَ مصرَ ..

وعنترةَ العَبَسيّ.

أشاهدُ جيشيَ لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،

فَيْلق’’ في الخليجْ

فَيْلَق’’ في المحيطْ

فَيْلَق’’ في البحارْ

فَيْلَق’’ في الديارْ ،

فأمتشقُ السيفَ يقطُر من دمه الأجنبيّ .

وأعبُر بابَ الجزيرةِ ..

والكونُ تحت سنابكِ حيليَ .. وبين يديّ .

-7-

أغني لرمِل السواحلِ ما شهدته السواحلُ

ما وشوش الموجُ

ما فعل الفوجُ .. بالأوّلينْ

فينفلقُ البحرُ ..

إنبهل الطودُ .. وانسدل الموجُ

وارتحل البحرُ .. بالآخَرِينْ ،

-8-

أغني لتلك السواحلِ

يمضُغها الرملُ ..

يأكلها وجع’’ من بطونِ التواريخِ ،

إتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،

تغزلُ من موجه خيمةً

يستريحُ بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ

تونس – مارس -1982

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (سيد أحمد الحردلو) .

لازم نقول الحق

رغــــم ذلك!

كنت قايلك

لهذا الوطن

دائماً في الزحام


المرئيات-١