ما رَشَأ الأنسِ بمستأنِس
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ما رَشَأ الأنسِ بمستأنِس | إلى بياض الشَّعَر المُخْلِسِ |
بل صَدْفة ُ المبغض من حُكمه | في الشيب تتلو نظرة المُبلِسِ |
وصحبة ُ المعتِم من شأنِه | وليس منه صحبة ُ المغلسِ |
ماذا على الدهر وعَوْداته | لو صاح يا ليل الصِّبا عسعسِ |
فاسودَّ مبيضٌّ كسا نُورُهُ | قَلْبي ظلاماً حالك الطرمسِ |
أستلبِسُ الله النُّهى إنه | أحْصَنُ ملبوس لمستلبسِ |
فاجأني الشيب على صبوة ٍ | أيُّ يد في الغيِّ لم تَغمِسِ |
نورٌ ونار لهما وقدة ٌ | لو قُرِنا بالماء لم يَجمُسِ |
ما أعدلَ الحبّ على جَورهِ | في خُلطة الأحمقِ والكيِّس |
قلبي على وعظ النهى مولع | بجالبٍ للداء مستنكِس |
أحببت روداً من بنات الصبا | أي بنات القلب لم تَخلِس |
منَّاعة ً للرشف منَّاحة ً | للطرف إن تُبَرئْكَ تستنكِس |
ترنو بطرف مؤنِس قاتلٍ | لولا عمى الأهواء لم تؤنس |
لا عوقبتْ نحلة لِمْ حلأَّت | عن ريقها حائمة َ المخمُس |
ضَنَّت بماء العيشِ لكنها | من يقتَبسْ نار الجوى تُقبِس |
يا نحلة َ الشهد التي أيأست | منه وإن غرت فلم تُؤيس |
ما حققتْ معنى اسمها نحلة ٌ | قيل أقلسي أَرياً فلم تَقلِس |
يا هل أحسَّت ليلة المنحنَى | أم ذهلت عنّي فلم تَحسس |
وسَواسُ وجدٍ ضافني هاجَهُ | وسواسُ حَليٍ ضافها مُجرِس |
كأنما ناجى به صدرُها | صدري فماذا فيه لم يَهجس |
يا أيها السَّامي بألحاظه | للبيض في البيض ألا نكِّس |
تلك المها أصبحن مثل المها | ليست لقُنّاصِ بني سِنْبس |
قالت لك العينُ وآرامُها | ما أنت بالمرعَى ولا المكنِس |
أخْيَبُ ذي قوسٍ رمى ظبية ً | من هتف الدهر به قَوِّس |
فلا تَعُوجَنَّ على قاطعٍ | مطية َ الوصل ولا تَحبِس |
واعدل إلى ذي خُلة ٍ حافظٍ | معاهدَ المورِقِ في المؤيس |
كالأَردشيريِّ الذي بَيَّنَتْ | في عُودِه حُرِّية المغرِس |
بلّغْ عبيد الله مُلِّيتَهُ | أني إذا ما غاب في مَحْبس |
لكنني ما دمتُ في ظِلِّه | من غامر النعمة في مَغمسِ |
يا واهب التاج الذي لم يزل | من زينة اللابس والمُلْبِس |
أقسمتُ بالمجد وأسبابه | إنك منه غيرُ ما مُفْلس |
نفَّلتني ودَّ عقيدِ الندى | عفواً بجدواك ولم تَعبِس |
ودَّ المكنى لا تُحابَى به | باسم رسول المنعِم المبئس |
الحسنِ المحسنِ في فعله | أنفِسْ به من عُقدة ٍ أنفس |
آنسني والدهر لي مُوحشٌ | بمؤنسٍ ناهيكَ من مُؤنِس |
بمُفضلٍ ما شئتَ من مُفضلٍ | ومُقبسٍ ما شِئتَ من مُقبِس |
منبلج الرأي غزير الندى | صاحب يوم مُمْطرٍ مُشمس |
نواله كالغيث في أزمة | ورأيه كالنجمِ في حِنْدِس |
إذا قضى بالحدس ذو شُبهة | تتبَّع الحق ولم يَحدس |
من آل وهبٍ شاد بنيانه | كلُّ أشمّ المجد والمعْطِس |
بدرُ سماء وسناً باهرٍ | لا يمحق الله ولا يَطمس |
أسعدُ بالحلم من المشتري | وبالحجى والعلم من هِرْمس |
حرٌّ متى يظفر بذي ذلة ٍ | يغفر ولا يظفرْ ولا يَضْرس |
يَعفو إذا الجاني ابتغى عَفْوَهُ | لكنه فارسٌ مُستفْرِس |
ممن إذا أُغْضِبَ في قُدرة | كقُدرة ِ القَسْور لم يفرِس |
يقابلُ الحسنى بأمثالها | ويقرعُ الدهرِسَ بالدهرس |
مَكايدُ من مَسَّحتْ عِطفَهُ | مسَّحه الحَيْنُ فلم يَشْمس |
يأخذ بالعينين أخذَ العمى | ويَعقِل الرِّجْلَين كالنِّقرس |
خِرق إذا أسنى أفاعيلَهُ | قال لِمُسني شكرِه خسِّسِ |
طالبَ تسهيلٍ على شاكرٍ | لا زاهداً في راغبٍ مُنفس |
وذاك أدعى لذوي حمدهِ | إنْ سمعت فطنة ُ مستوْجسِ |
فما يزال الدهر مستوفياً | للحمد في صورة مُسْتَبْخِس |
مُقتسمٌ بين صبا ذي النهى | وحكمة ِ المُوضِح لا المشْكِس |
فلسفة ٌ شَفْعُ مُلوكِية ٍ | أظرِفْ بمن حازهما أَنطِس |
إذا صَبتْ زُهْرتُه صبوة ً | قال لها هِرمسُه هَندِس |
وإن عدا هِرْمسه حدَّهُ | قالت له زُهْرتُه نفِّس |
فما اجتلاهُ غير مُستحسن | ولا ابتلاهُ غيرُ مستنْفس |
كم مجلسٍ مرَّ له كلهُ | كأنه باكورة المجلس |
ذكَّرني فيه بأخلاقه | دمع الندى في حَدَق النرجس |
أرْجو سنائي لمُجازاتِه | لكنني راجٍ كمستيئس |
كيف أجازي كوكباً نيِّراً | أسْعد أيامي ولم يُنحس |
لو لم تر السبعة َ بمثاله | في اللَّوح لم تَجْر ولم تكْنِس |
ولو أطاعتها مقاديرُها | جرتْ لتلقاهُ ولم تخنس |
يُطمعني في شكره قدرتي | على القريض المُطمِع المؤيس |
وتارة ً يُؤيسُني أَنني | أَحْزنتُ في الشكر ولم أُدهِس |
شكر امرىء ٍ قصَّر عن شكره | أقصى حَويلِ الماتح الممرِس |
مستأنس الجزء إلى قبضتي | والكلّ منه غير مستأنس |
يا أيها المُوجس في نفسه | خوفاً من الأيام لا توجس |
لله بالشام وفي بابلٍ | بيتان بيتُ القدس والمقدِس |
بيتٌ قديم ذائعٌ ذكرهُ | وبيتُ شاهٍ بالعلا مُعرس |
يُصبح من حاول مَعْروفَهُ | مُلتمساً أفضى إلى مُلمِس |
ولا ترى راحتُهُ عِرمِساً | عند مُناخ الرِّسْلة العِرمس |
بين أياديه وأيامنا | تفاوتُ الناعس والمُنعِس |
من آل وهبٍ شاد بنيانَهُ | كلُّ أَشَمِّ المجدِ والمعطِس |
وعرضه أملسُ ما خيَّمتْ | آمال راجيه على أمْلَسِ |
أستحرِس الله له إنه | أفضل محروسٍ لمستحرِس |
المُنطِق المخرسُ سَقياً له | رعْياً له من مُنطقٍ مُخرِس |
أنطق مُدَّاحاً وكَمَّتْ به | أفواهُ حسَّادٍ فلم تَنْبِس |
ومدحه المأخوذُ من مجدِه | ما قال لي وجدي به دَلِّسِ |
بل قال أجلي الليل عن صُبحه | للعين فاصدقْ عنه أو لبِّس |
وسائل عنه وعن أهله | قلتُ له جهراً ولم أهمس |
أنت الذي أحوجهُ جَهْلهُ | في رؤية الشمسِ إلى مَقْبِس |
بلَغْتهمْ فاحطُطْ بوادِيهمُ | تحططْ بأحوَى النبتِ مُسْتَحلس |
لا خير في نزع يدي نابلٍ | بعد لحوق النَّصل بالمعجس |
لآل وهبٍ مِننٌ جَمَّة ٌ | من يَرَها من حاسدٍ يُبلس |
كم قال لي تأمِيلهُم سِرْ بنا | وقال لي تمويلهم عَرِّس |
كم زوَّجتني بدأة ٌ منهمُ | وقالتْ العودة لي أعرِس |
غَرَستُ أنواعاً فما أثمرتْ | وأثمروا لي حيثُ لم أغرِس |
قلتُ لمن قال استزِد فَضْلَهم | جاهِرْ بتهديدك أو وسوِس |
أَصابعي خمسٌ حباني بها | من لا يراني قائلاً سَدِّس |
سمعاً بني وهبٍ فلم أستعِر | لكم حُليَ قومٍ ولم أعكس |
ما قلتُ إلا بعض ما فيكُم | فليقُمْ الحاسد وليجْلس |
لم أهتضمْ دِيني ولم أنتهك | عرضي بما قلت ولم أدْنِس |