أما الزمانُ إلى سلمى فقد جَنَحا
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
أما الزمانُ إلى سلمى فقد جَنَحا | وعاد معتذِراً من كل ما اجْتَرَحا |
وليس ذاك بصُنْعي بل بصنع فتى | ما زال يُدني بلطف الصنع ما نزحا |
مباركُ الوجه ميمون نقيبتُه | يُوري الزنادَ بكفيه إذا قدحا |
به غدوتُ على الأيام مقتدراً | فقد صفحتُ عن الأيام أن صَفحا |
رفعت منه رفيع الذكر ممتدَحاً | ألفى أباه رفيع الذكر ممتَدحا |
مُعطى ً لسانَ فمٍ معطى لسان يد | إنْ أجملا فصَّلا أو فسَّرا شرَحا |
لو أن عبد الحميد اليوم شاهدَه | لطان بين يديه مُذعِناً وسَحا |
ضربتُ شِعري عن الكتَّاب قاطبة ً | صفحاً إليه ومثلي نحوَه جَنحا |
إياه كانت تراعي همتي وله | كانت تصون أديم الوجه والمِدَحا |
أَتْأَرْتُ عيني سوادَ الناس كلِّهمُ | فما رأيتُ سواه فيهم وضَحَا |
يَفْدي أبا الصقر إن قاموا بفديته | قومٌ إذا مَذقوا أفعالَهم صَرحا |
فرعٌ تفرَّع من شيبانَ شاهقة ً | مَنْ ساورتْها أماني نفسِه نجحا |
واهتزّ في نَبْعة صمّاءَ ما عَرفت | سهلاً ولا رَئِمت سيلاً وإن طَفحا |
لا تشربَ الماءَ إلا من ذؤابتها | إذا الغمام عليها من علٍ نَضحا |
فات المذاكيَّ في بدءٍ وفي عَقِبٍ | سبْقاً إلى الغاية القصوى وما قَرِحا |
فتى إذا شئت لا جهْلاً ولا سفهاً | كهلاً إذا شئت لا شيباً ولا جَلَحَا |
فَتَّاهُ شرخٌ شبابيٌّ وكهَّله | حِلم إذ شال حلم ناقص رجَحا |
في وجهه روضة للحسن مونِقة ٌ | ما راد في مثلها طرفٌ ولا سَرحا |
طَلُّ الحياءِ عليها واقع أبداً | كاللؤلؤ الرطب لو رقرقتَه سَفحا |
وجهٌ إذا ما بدت للناس سُنَّتُهُ | كانت محاسنُه حَوْلاً لهم سُبَحَا |
أنا الزعيم لمكحولٍ بغُرته | ألاَّ يرى بعدها بؤساً ولا ترحا |
ممن إذا ما تعاطى نيل مكرمة | نالت يداه مَنال الطرف ما طمحا |
لو يخطِب الشمسَ لم ترغب ببهجتها | عن خير من خطب الأزواجَ أو نكحا |
مهما أتى الناسُ من طَول ومن كرم | فإنما دخلوا الباب الذي فتحا |
لاقى الرجالُ غبوقَ المجد فاغتبقوا | منه ولاقَى صبوحَ المجد فاصطبحا |
خِرق به نشوة من أريحيته | هيهات من منْتشيها أن يقال صحا |
يعطي المزاحَ ويعطي الجد حقَّهما | فالموتُ إنْ جدَّ والمعروف إن مزحا |
ممن إذا كان لاحِي البخلِ يَعذِره | فما يبالي بِلاحي الجود كيف لحى |
إن قال لا قالها للآمرين بها | ولم يقلْها لمن يستمنِح المِنحا |
يا بُعْد معناه من معنى اللئام إذا | شَحَوْا بلفظة لاأفواهُهم وشَحا |
لو لم يزد في بسيط الأرض نائلُه | لضاق منها علينا كلُّ ما انفسحا |
أضحت بجدواه أرضُ اللَّه واسعة ً | أضعافَ ما مدَّ منها ربُّها ودَحا |
فلاقحاتُ الأماني قد نُتِجْنَ به | وحائلات الأماني قد طوت لَقَحا |
لو أن أفعاله الحسنى غدت شِيَة ً | للمجد ما عَدَتِ التَّحْجيل والقُرحا |
لا تحمدنَّ بليغاً في مدائحه | أفعالُه فسحت في مدحه الفُسَحا |
ولو تجاوزه المُدَّاحُ لم يجدوا | في الأرض عنه ولا في القول مُنتدَحا |
بزر جمهر بني العباس رُسْتُمهم | جلمود خَطْبَيْن ما صكُّوا به رَضحا |
ماضي الأداتين من سيف ومن قلم | كبش الكتابة كبش الحرب إن نطحا |
وافى عُطاردَ والمريخَ مولدُه | فأَعطياه من الحظَّين ما اقترحا |
لهُ من البأسِ حدٌّ لو أشار به | إلى الحديد على عِلاّته فلحا |
ويُمن رأيٍ ورفقٍ لو مشى بهما | بين الأنيس وبين الجنة اصطلحا |
في كفّه قلم ناهيك من قلم | نُبْلاً وناهيك من كف بها اتشحا |
يمحو ويثبت أرزاقَ العباد به | فما المقادير إلا ما وحى ومحا |
كأنما القلم العُلْويُّ في يده | يُجريه في أيِّ أنحاء الأمور نحا |
هذا وإن جمحَت هيجاءُ أَقمحها | نِكْلاً من الشر ما يَكْبَحْ به انكبَحا |
يغشَى الوغى فترى قوساً ونابلها | إذ لا تزال ترى قوساً ولا قُزَحَا |
ذو رميتين مفدَّاتين واحدة | تُصمي الرمايا وأخرى تُوصل المِنحا |
يغلغل النبل في الدرع التي رُتقت | رتقاً فلو صُبَّ فيها الماءُ ما رشحا |
ويطعن الطعنة النجلاء يتبعها | شخبٌ دَرير إذا لاقَى الحصى ضَرحا |
ويضرب الهام ضرباً لا كِفاءَ له | ترى لما طار منه موقعاً طرَحا |
لمثل ذلك في الهيجاء من عمل | أنحى على الأدواتِ القينُ واجْتَنَحا |
يصول منه بمن عادَى خليقتَه | وَرْدُ السِّيالِ ترى في لونه صَبَحَا |
ليثٌ إذا زأر الليث الهِزَبْر له | لم يحسب الليثَ إلا ثعلباً ضَبحا |
عادَى فبادى العدا فيه عداوتَه | ولم يُخافتْ بها نجواه بل صدحا |
وقال إذ قعقعوا شَنَّ الوعيد له | لن يرهبَ الليثُ ضأناً قعقعتْ وذحا |
يا من إذا ضاقت الأعطانُ في هَنَة | زادت شدائدُها أعطانَه فَيَحا |
ليَهْنِ الملكَ أن أصلحتَ فاسده | وأن حرست من الإفساد ما صلحا |
رددتَه جعفريَّ الرأي بعد هوى | في الواثقيَّة لو لم تثنه جمحا |
بِيَارَشُوخٍ وفتيانٍ لهم قَدَمٌ | فيمن وَفَى لمواليه ومن نصحا |
يا رُبَّ رأيٍ صوابٍ قد فتحتَ لهم | لولاك يا فاتح الأبواب ما انفتحا |
ولم تزل معهم في يوم وقعتهم | بالحائنين ونابُ الحرب قد كَلحا |
حتى أدِلْتُمْ وهبّتْ ريح نصركمُ | وخاب وجه عدو الحق وافتضحا |
وما بغيتم ولكن كنتمُ فئة ً | سقيتمُ من بَغى الكأس التي جَدَحا |
شهدتُ أن عظيم الترك يومئذٍ | بِيُمْنِكَ افتتح الفتحَ الذي فتحا |
ما كان إلا كسهمٍ سدَدته يدٌ | فما تلعثم ذاك السهمُ أن ذبحا |
بَصَّرْتَهُ رشْدَه في نصر سادته | بضوء رأيك حتى بان فاتضحا |
فليشكروا لك أن كابدتَ دونهمُ | تلك الغمارَ التي تُودي بمن سبحا |
نصرتَهُمْ بلسانٍ صادقٍ ويدٍ | قولاً وصَولاً ولقَّيتَ العدا تَرحا |
حتى أفأتَ عليهم ظلَّ نعمتهم | عَوداً كما فاء ظل بعدما مَصحا |
ببعض حقك أنْ أصبحت عندهُم | مُشاوَرَاً في جسيم الأمر مُنْتَصَحَا |
أنت الذي ردَّ بعد اللَّه دولتهم | فليُوفَ كادحُ صدقٍ أجرَ ما كدحا |
لولاك ما قام قطب في مُرَكَّبِهِ | أُخرى الليالي ولا دارت عليه رحى |
بك استقادتْ مطايا الملك مذعنة ً | وأردف الصعبُ منها بعدما رَمَحا |
نفسي فداؤك يا من لا مؤمِّله | أكْدى ولا مستظِلٌّ في ذَراه ضحَّا |
لولاك أصبح في بدوٍ وفي حضرٍ | ديوانُ أهلك بين الناس مطَّرَحا |
أضحى بك الشعر حيّاً بعد مِيتَتِهِ | إلا حُشاشة َ نفسٍ عُلِّقت شبحا |
لا يسلب اللَّه نعمى أنت لابِسُها | فما مشيتَ بها في أرضه مرحا |
كم كاشح لك لا تُجدي عداوته | عليه ما عاش إلا الوَرَى والكَشَحا |
ممن ينافس في العلياء صاحبَها | ولو تحمَّل أدنى ثِقْلِها دَلحا |
تُعْشِي بضوئك عينيه فَيَنْبَحُهُ | لينبَحَ الكلبُ ضوء البدر ما نبحا |
لما تبسم عنك المجدُ قلت له | قهقِهْ فلا ثَعَلاً تُبدي ولا قلحا |
أجراك مُجرٍ فما أخزيت حلبته | بل وجه أيِّ جوادٍ سابقٍ سبحا |
قال الإِمام وقد درَّت حلوبته | بمثلك استغزَر المستغزِر اللَّقحَا |
أتاك راجيك لا كفٌّ له مَرِنت | على السؤال ولا وجه له وَقُحا |
على قَعودٍ صحيح الظهر تامِكِهِ | ما كَلَّ من طولِ تَرْحالٍ ولا طَلحا |
فانظر إليه بعينٍ طالما ضَرَحتْ | عنها قذى خَلَّة المختل فانضرحا |
فما يُجلِّي الذي تكنى به قنصاً | كما تُجَلِّي ابنَ حاجات إذا سنحا |
بل طرفُ عينيك أذكى حين تَثْقُبُهُ | للمجد من طرف عينيه إذا لمحا |
بك افْتَتحْتُ ونفسي جدّ واثقة ٍ | ألا أقول بغبٍّ ساء مفتَتحا |
أمطِرْ نداك جنابي يكسُه زهراً | أنت المُحَيَّا بريَّاه إذا نفحا |
إن أنت أنهضت حالي بعدما رزَحتْ | فأنت أنهضت ملكاً بعدما رزحا |
لا بِدْع أن تُنْهِضَ الرَّزْحَى وتُنْعِشَهُمْ | وان تَحمَّل عنهم كل ما فدحا |
كأنني بك قد خوّلتني أملي | وأنت جذلانُ مملوء به فرحا |
أثني عليك بنُعماك التي عَظُمت | وقد وجدت بها في القول منفسَحا |
أقول فيما أجيب السائلين به | أيَّانَ ذلك والبرهان قد وضحا |
لاقيتُ أكرمَ من خبَّ المطيُّ به | ومن مشى فوق ظهر الأرض مذ سطحاص لاقيتُ من لا أبالي بعده أبداً |
من ضنَّ عني بمعروفٍ ومن سمحا | ألقيتُ سَجْلَيَ منه إذ مَتَحْتُ به |
إلى كريم يُرَوِّي سَجْلَ من مَتَحا | فاضت يداه إلى أن خلتُ سَيْبَتها |
بحرين جاشا لحين المدِّ فانتطحا | وجاد جودين أما الكفُّ فانبسطت |
بما أنالَ وأما الصدرُ فانشرحا | ورُبَّ معطٍ إذا جادْت أنامله |
ضن الضمير بما أعطى وما منحا | عَفَّى كلومَ زماني ثم قلَّمه |
عني فاحْفاه ثم اقتصَ ما جرحا | وما تصامم عني إذ هتفتُ به |
كالناظرين بصوت الهاتف البَحَحا | يا عائفَ الطيرِ من طلاّب نائله |
لا يُثْنِيَنَّك عنه بارحٌ بَرَحا | عِفِ الثَّناء الذي تُثني عليه به |
ولا تَعِف باكراتِ الطير والرَّوَحَا | فإن قَصْرك أن تلقى بعَقْوته |
بحراً من العُرف لا كَدْراً ولا نزحا | إذا الوَنَى قيَّد الحَسْرى وعقَّلها |
كامل تتجمل الحسناءُ كلَّ تجملٍ | حتى إذا ما أُبرز المفتاحُ |
فإنها يفكَّ القفل عن كُعْثُبٍ | كرؤية الحسناء مفتاحه |
فإنها تُذعن في لحظة | معتزّة ً للنيك مرتاحة ْ |
لكن بِدَسْتَنْبُويَة ٍ ضخمة | لقلبها في غمزها راحه |
إذا تعاصتْ قينة ٌ مرة ً | فلا تُجشِّمْها بتفاحهْ |
فيمَّمَتْهُ استفادت في الخطا رَوَحا | |
نسيتْ هناك حياءها وَخَلاقها | شَبَقاً وعند الماح يُنسى الداح |