أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا | ولن يدومَ على العصرَين ما اعْتقبا |
أعزِزْ عليَّ بأن أضحتْ مناسبُهْ | بُدِّلنَ فيه وفي أيامهِ نُدَبَا |
سَقيا لأزمان لم أستسقِ من أسفٍ | لمَّا تولى ولا بكَّيت ما ذهبا |
أيام أستقبلُ المنظورَ مبتهجاً | ولا أَحنُّ إلى المذكور مكتئبا |
للَّه درُّك من عهدٍ ومن زمنٍ | لا يَبْعُدا بَعُدا بالرغم أو قرُبا |
إذا أصحبُ الدهرَ مغتراً بصحبته | إذا أعارَ متَاعَاً خِلْتُهُ وهَبَا |
لا أحسب العيس يَبلَى ثوبُ جِدَّتهِ | ولا إخالُ زماني يُعْقِبُ العُقَبا |
أغدو فأجني ثمار اللهو دانية ً | مثلَ الغصون وأرمي صيدَه كَثَبَا |
بينا كذلك إذ هبّتْ مُزَعزِعة ٌ | أضحى لها مُجتَنى اللذّات مُحْتَطَبَا |
يا ظبية ً من ظباءٍ كان مسكنُها | في ظل غُصني إذا ظلُّ الضحى التهبا |
فيئي إليكِ فقد هزَّته مُعْصفة ٌ | لم تَتركْ وَرِقاً منهُ ولا هَدَبَا |
أصبحتُ شيخاً له سَمْتٌ وأبَّهة ٌ | يدعونني البيضُ عمَّا تارة وأبا |
وتلك دعوة إجلالٍ وتكرمة ٍ | ودَدْتُ أنِّيَ معتاض بها لقبا |
قد كنتُ أدعَى ابنَ عمٍ مرة ً وأخاً | حتَّى تقلَّب دهرٌ يعقِبُ العُقَبَا |
واهاً لذلك في الأنساب من نسبٍ | لكنَّ يا عمِّ لا وَاهاً ولا نسبا |
عجبت للمرء لا يحمي حقيقتَهُ | مسلوبة ً كيف يحمي بعدها سلبا |
قالوا المشيبُ نذير قلت لا وأبي | لكنْ بشيرٌ يجلِّي وجهُه الكُرَبا |
أليسَ يخبر مَنْ أرسى بساحتِهِ | أن اللَّحاقَ بحبِّ النفس قد قَرُبا |
يا حُسْن هاتيك بشرى عند ذي أسفٍ | على الشبيبة والعيش الذي نضبا |
لم يرعَ حقَّ شَبَابٍ كان يصحبُهُ | من لم يُحَبِّبْ إليه فَقْدُهُ العَطَبا |
لو لم يجب حفظُهُ إلاَّ لأنَّ لهُ | حقَّ الرضاعِ على إخوانه وجبا |
أخي وإلفي وتربي كان مولدُنا | معاً وربَّتْني الأيامُ حيثُ رَبَا |
يضمُّنا حجْرُ أُمٍّ في رضاعتنا | وملعبٌ حيث نأتي بيننا اللَّعبا |
إن الشباب لمَألوفٌ لصُحْبَتِهِ | تلك القديمة مَبْكيٌّ إذا ذهبا |
والشيب مُسْتَوْحَشٌ منه لغربته | والشيْءُ مستوحشٌ منه إذا اغتربا |
دع الخلافة َ يا مُعْتَزّ من كثبٍ | فليس يكسوك منها اللَّهُ ما سَلَبَا |
أترتَجي لُبْسَها من بعد خَلْعَكها | هيهات هيهات فات الضرعَ ما حلبَا |
تاللَّه ما كان يرضاك المليك لها | قبل احتقابك ما أصْبحت محتقبا |
حتى أذلَّك عنْها ثم أبدلها | كُفؤاً رضيَّا لذات اللَّه مُنْتَجَبَا |
فكيف يرضاك بعد الموبقاتِ لها | لا كيف لا كيف إلا المينَ والكذبا |
هذي خراسان قد جاشت حلائبُها | تُزْجي لنصر أخيها عارضاً لَجِبَا |
كالبحر ألقى عليه الليلُ كَلْكَلَهُ | وزَعْزَعَتْ جانبيه الريح فاضطربا |
خيل عليهنّ آساد مدرّبة ٌ | تأجَّموا الأسلَ الخطِّي لا القَصَبَا |
مُسْتَلْئِمُونَ حصيناتٌ مقَاتلهم | مُكَمَّمُون حَبيكَ البَيض واليلبا |
والمصعَبيُّونَ قومٌ من شمائلهم | قتلُ الملوكِ إذا ما قتلهُمْ وجبا |
هم الأُلى يَنصُرُون الحقَّ نُصْرَتَهُ | ولا يبالون فيه عَتْبَ من عتبا |
الأوفياءُ إذا ما معشرٌ نَكَثُوا | والجاعلون الرضا للَّه والغضبا |
قد جرّب الناسُ قبل اليوم أنهُم | مُعَوَّدُونَ إذا ما حاربوا الغلبا |
يا من جَنَى لأبيه القتل ثم غدا | حرباً لِثَائِرِهِ صدَّقْتَ مَنْ ثلبا |
يا أولياءَ عهودِ الشرِّ هَوْنَكُمُ | منْ غالبَ اللَّهَ في سلطانه غُلِبَا |
لقد جزيتم أباكم حين كرَّمَكُمْ | بالعهد أسْوَأ ما يجزى البنون أبا |
أضحى إمام الهدى أولى به صِلة ً | منكم وإن كُنتُمُ أولى به نَسَبَا |
هو الذي سلَّ سيفَ الثأر دونكمُ | لا يأتلي للذي ضيَّعْتُمُ طلبا |
أقام في الناس عصراً لا يُخيل لها | ولا يُرشِّحُ من أسبابها سببا |
وكان للَّه غيبٌ فيه يَحْجُبُهُ | عنَّا وعنه مع الغيب الذي حَجَبا |
حراسة ً من عدوٍ أن يكيدَ لَهُ | كيداً يحرِّقُ في نيرانه الحطبا |
بل عصمة ً من وليِّ الصالحاتِ لهُ | كيلا يُجَشِّمَهُ حِرْصاً ولا تعبا |
حتى إذا مهَّدَ اللَّهُ الأمورَ لهُ | وراضَ منْ جَمَحات الملك ما صَعُبا |
تبلَّجتْ غُرَّة ٌ غَرَّاءُ واضحة ٌ | مثلُ الشهاب إذا ما ضَوْؤُه ثَقَبَا |