تذكرت ما بين العذيب وبارق
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تَذَكّرْتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبَارِقِ | مَجَرَّ عَوَالينَا وَمَجْرَى السّوَابِقِ |
وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذبَحُونَ قَنيصَهُمْ | بفَضْلَةِ ما قد كَسّرُوا في المَفارِقِ |
وَلَيْلاً تَوَسَّدْنَا الثَّوِيّةَ تَحْتَهُ | كأنّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ في المَرَافِقِ |
بِلادٌ إذا زارَ الحِسانَ بغَيرِهَا | حَصَى تُرْبِهَا ثَقّبْنَهُ للمَخانِقِ |
سَقَتْني بهَا القُطْرُبُّليَّ مَليحَةٌ | على كاذِبٍ منْ وَعدِها ضَوْءُ صَادقِ |
سُهادٌ لأجفانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ | وَسُقْمٌ لأبدانٍ وَمِسْكٌ لِناشِقِ |
وَأغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كلُّ عاقِلٍ | عَفيفٍ وَيَهوَى جسمَهُ كلُّ فاسِقِ |
أدِيبٌ إذا ما جَسّ أوْتَارَ مِزْهَرٍ | بلا كُلَّ سَمْعٍ عن سِواها بعائِقِ |
يُحَدِّثُ عَمّا بَينَ عادٍ وَبَيْنَهُ | وَصُدْغاهُ في خَدّيْ غُلامٍ مُراهِقِ |
وَمَا الحُسْنُ في وَجْهِ الفتى شَرَفاً لَهُ | إذا لم يكُنْ في فِعْلِهِ وَالخَلائِقِ |
وَمَا بَلَدُ الإنْسانِ غَيرُ المُوافِقِ | وَلا أهْلُهُ الأدْنَوْنَ غَيرُ الأصادِقِ |
وَجائِزَةٌ دَعْوَى المَحَبّةِ وَالهَوَى | وَإنْ كانَ لا يخفَى كَلامُ المُنافِقِ |
برَأيِ مَنِ انْقادَتْ عُقيلٌ إلى الرّدَى | وَإشماتِ مَخلُوقٍ وَإسخاطِ خالِقِ |
أرَادوا عَلِيّاً بالذي يُعجِزُ الوَرَى | وَيُوسِعُ قَتلَ الجحفَلِ المُتَضايِقِ |
فَمَا بَسَطُوا كَفّاً إلى غَيرِ قَاطِعٍ | وَلا حَمَلُوا رَأساً إلى غَيرِ فَالِقِ |
لَقَد أقدَمُوا لَوْ صادَفُوا غيرَ آخِذٍ | وَقد هرَبوا لوْ صَادَفوا غيرَ لاحِقِ |
وَلَمَّا كَسَا كَعْباً ثِياباً طَغَوْا بِهَا | رَمَى كلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنانٍ بخارِقِ |
وَلمّا سَقَى الغَيْثَ الذي كَفَرُوا بِهِ | سَقَى غَيرَهُ في غَيرِ تلكَ البَوَارِقِ |
وَما يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ حارِمٍ | كمَا يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ رازِقِ |
أتَاهُمْ بهَا حَشْوَ العَجَاجَةِ وَالقَنَا | سَنَابِكُهَا تحشُو بُطُونَ الحَمالِقِ |
عَوَابِسَ حَلّى يَابِسُ الماءِ حُزْمَها | فَهُنّ على أوْساطِها كالمَنَاطِقِ |
فَلَيْتَ أبَا الهَيْجا يرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ | طِوَالَ العَوالي في طِوال السَّمالِقِ |
وَسَوْقَ عَليٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيرِها | قَبَائِلَ لا تُعْطي القُفِيَّ لِسَائِقِ |
قُشَيرٌ وَبَلْعَجْلانِ فيها خَفِيّةٌ | كَرَاءَينِ في ألْفاظِ ألثَغَ نَاطِقِ |
تُخَلّيهِمِ النّسْوانُ غَيرَ فَوَارِكٍ | وَهُمْ خَلّوُا النّسْوانَ غَيرَ طَوَالِقِ |
يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُماةِ وَبَيْنَهَا | بطَعْنٍ يُسَلّي حَرُّهُ كلَّ عاشِقِ |
أتَى الظُّعْنَ حتى ما تَطيرُ رَشاشَةٌ | منَ الخَيلِ إلاّ في نُحُورِ العَوَاتِقِ |
بكُلّ فَلاةٍ تُنكِرُ الإنْسَ أرْضُهَا | ظعائنُ حُمْرُ الحَليِ حمرُ الأيانِقِ |
وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيّةٌ رَبَعِيّةٌ | تَصيحُ الحَصَى فيها صِياحَ اللّقالِقِ |
بَعيدَةُ أطْرَافِ القَنا مِنْ أُصُولِهِ | قَريبَةُ بَينَ البَيضِ غُبرُ اليَلامِقِ |
نَهَاهَا وَأغْنَاهَا عَنِ النّهْبِ جُودُه | فَمَا تَبْتَغي إلاّ حُماةَ الحَقائِقِ |
تَوَهّمَهَا الأعرابُ سَوْرَةَ مُترَفٍ | تُذَكّرُهُ البَيْداءُ ظِلَّ السُّرادِقِ |
فَذَكّرْتَهُمْ بالمَاءِ ساعَةَ غَبّرَتْ | سَماوَةُ كَلبٍ في أُنوفِ الحَزَائِقِ |
وكانُوا يَرُوعونَ المُلُوكَ بأنْ بدَوْا | وَأنْ نَبَتَتْ في المَاءِ نَبْتَ الغَلافِقِ |
فهاجُوكَ أهْدَى في الفَلا من نُجُومه | وَأبْدَى بُيُوتاً من أداحي النّقانِقِ |
وَأصْبَرَ عَن أمْوَاهِهِ من ضِبابِهِ | وَآلَفَ منْها مُقْلَةً للوَدائِقِ |
وَكانَ هَديراً مِنْ فُحُولٍ تَرَكتَها | مُهَلَّبَةَ الأذنابِ خُرْسَ الشّقاشِقِ |
فَما حَرَمُوا بالرّكضِ خَيلَكَ رَاحةً | وَلَكِنْ كَفَاهَا البَرُّ قَطعَ الشّوَاهقِ |
وَلا شَغَلُوا صُمّ القَنَا بِقُلُوبِهِم | عنِ الرَّكْزِ لكِنْ عن قلوبِ الدماسقِ |
ألمْ يحذَروا مَسْخَ الذي يَمسَخُ العِدى | ويجعَلُ أيدي الأُسدِ أيدي الخرانِقِ |
وَقد عايَنُوه في سِواهُمْ وَرُبّمَا | أرَى مارِقاً في الحَرْبِ مصرَعَ مارِقِ |
تَعَوّدَ أنْ لا تَقْضَمَ الحَبَّ خَيْلُهُ | إذا الهَامُ لم تَرْفَعْ جُنُوبَ العَلائِقِ |
وَلا تَرِدَ الغُدْرانَ إلاّ وَمَاؤهَا | منَ الدّمِ كالرّيحَانِ فَوْقَ الشّقائقِ |
لَوَفْدُ نُمَيرٍ كانَ أرْشَدَ منْهُمُ | وقد طَرَدوا الأظْعانَ طَرْدَ الوَسائقِ |
أعَدّوا رِماحاً مِنْ خُضُوعٍ فطاعَنُوا | بهَا الجَيشَ حتى رَدّ غَرْبَ الفَيالِقِ |
فَلَمْ أرَ أرْمَى منهُ غَيرَ مُخاتِلٍ | وَأسرَى إلى الأعداءِ غَيرَ مُسارِقِ |
تُصِيبُ المَجانيقُ العِظامُ بكَفّهِ | دَقائِقَ قد أعْيَتْ قِسِيَّ البَنَادِقِ |