ألحزن يقلق والتجمل يردع
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ألحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ | وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ |
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ | هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ |
ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ | وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ |
إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي | وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ |
وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً | وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ |
تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ | عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ |
وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ | وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ |
أينَ الذي الهَرَمانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، | ما قَوْمُهُ، ما يَوْمُهُ، ما المصرَعُ؟ |
تَتَخَلّفُ الآثارُ عَنْ أصْحابِها | حِيناً وَيُدرِكُها الفَنَاءُ فتَتْبَعُ |
لم يُرْضِ قَلْبَ أبي شُجاعٍ مَبلَغٌ | قَبلَ المَمَاتِ وَلم يَسَعْهُ مَوْضِعُ |
كُنّا نَظُنّ دِيارَهُ مَمْلُوءَةً | ذَهَباً فَمَاتَ وَكلُّ دارٍ بَلقَعُ |
وَإذا المَكارِمُ وَالصّوَارِمُ وَالقَنَا | وَبَنَاتُ أعوَجَ كلُّ شيءٍ يجمَعُ |
ألمَجْدُ أخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفْقَةً | من أن يَعيشَ لها الهُمامُ الأرْوَعُ |
وَالنّاسُ أنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً | من أنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أرْفَعُ |
بَرِّدْ حَشَايَ إنِ استَطعتَ بلفظَةٍ | فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ |
مَا كانَ منكَ إلى خَليلٍ قَبْلَها | ما يُسْتَرَابُ بهِ وَلا مَا يُوجِعُ |
وَلَقَدْ أرَاكَ وَمَا تُلِمّ مُلِمّةٌ | إلاّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصْمَعُ |
وَيَدٌ كأنّ نَوَالَهَا وَقِتَالَهَا | فَرْضٌ يحِقّ عَلَيْكَ وَهْوَ تبرُّعُ |
يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً | أنّى رَضِيتَ بحُلّةٍ لا تُنْزَعُ؟ |
ما زِلْتَ تَخْلَعُهَا على مَنْ شاءَها | حتى لَبِسْتَ اليَوْمَ ما لا تَخلعُ |
ما زِلْتَ تَدْفَعُ كُلّ أمْرٍ فادِحٍ | حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ |
فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ | فيما عَرَاكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ |
بأبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ | يَبكي وَمن شرّ السّلاحِ الأدْمُعُ |
وَإذا حصَلتَ من السّلاحِ على البكا | فحَشاكَ رُعتَ به وَخدَّكَ تَقرَعُ |
وَصَلَتْ إليكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَها الـ | ـبازي الأُشَيْهِبُ وَالغُرابُ الأبقَعُ |
مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى | فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُعُ |
وَمَنِ اتخذتَ على الضّيوفِ خَليفَةً | ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لا يكادُ يُضَيِّعُ |
قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ | وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ |
أيَمُوتُ مِثْلُ أبي شُجَاعٍ فاتِكٍ | وَيَعيشَ حاسِدُه الخصِيُّ الأوكَعُ |
أيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأسِهِ | وَقَفاً يَصيحُ بها: ألا مَن يَصْفَعُ |
أبْقَيْتَ أكْذَبَ كاذِبٍ أبْقَيْتَهُ | وَأخذتَ أصْدقَ من يقولُ وَيسمَعُ |
وَتَرَكْتَ أنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ | وَسَلَبْتَ أطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوّعُ |
فَاليَوْمَ قَرّ لكُلّ وَحْشٍ نَافِرٍ | دَمُهُ وَكانَ كأنّهُ يَتَطَلّعُ |
وَتَصَالَحتْ ثَمَرُ السّياطِ وَخَيْلُهُ | وَأوَتْ إلَيها سُوقُها وَالأذْرُعُ |
وَعَفَا الطّرَادُ فَلا سِنَانٌ رَاعِفٌ | فَوْقَ القَنَاةِ وَلا حُسَامٌ يَلمَعُ |
وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ | بعْدَ اللّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ |
مَنْ كانَ فيهِ لكُلّ قَوْم مَلجأٌ | ولسيْفِهِ في كلّ قَوْمٍ مَرْتَعُ |
إنْ حَلّ في فُرْسٍ فَفيهَا رَبُّهَا | كسرَى تذلّ لهُ الرّقابُ وَتخضَعُ |
أوْ حَلّ في رُومٍ فَفيها قَيصَرٌ | أوْ حَلّ في عَرَبٍ فَفِيهَا تُبّعُ |
قد كانَ أسرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ | فرَساً وَلَكِنّ المَنِيّةَ أسْرَعُ |
لا قَلّبَتْ أيدي الفَوَارِسِ بَعْدَهُ | رُمحاً وَلا حَمَلَتْ جَوَاداً أرْبَعُ |