طوال قنا تطاعنها قصار
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
طِوالُ قَناً تُطاعِنُها قِصَارُ | وَقَطْرُكَ في نَدًى وَوَغًى بحارُ |
وَفيكَ إذا جَنى الجاني أنَاةٌ | تُظَنّ كَرَامَةً وَهِيَ احتِقارُ |
وَأخْذٌ للحَواضِرِ وَالبَوادي | بضَبْطٍ لَمْ تُعَوَّدْهُ نِزارُ |
تَشَمَّمُهُ شَميمَ الوَحْشِ إنْساً | وَتُنْكِرُهُ فيَعْرُوهَا نِفَارُ |
وَمَا انْقادَتْ لغَيرِكَ في زَمَانٍ | فتَدْريَ ما المَقَادَةُ وَالصَّغَارُ |
فَقَرّحَتِ المَقَاوِدُ ذِفْرَيَيْهَا | وَصَعّرَ خَدَّهَا هذا العِذارُ |
وَأطْمَعَ عَامِرَ البُقْيَا عَلَيْهَا | وَنَزّقَها احتِمالُكَ وَالوَقَارُ |
وَغَيّرَها التّرَاسُلُ والتّشاكي | وَأعْجَبَهَا التّلَبُّبُ وَالمُغَارُ |
جِيادٌ تَعْجَزُ الأرْسانُ عَنْها | وَفُرْسانٌ تَضِيقُ بها الدّيَارُ |
وكانَتْ بالتّوَقّفِ عَنْ رَداهَا | نُفُوساً في رَداهَا تُسْتَشَارُ |
وكنتَ السّيفَ قائِمُهُ إلَيْهِمْ | وَفي الأعداءِ حَدُّكَ وَالغِرارُ |
فَأمْسَتْ بالبَدِيّةِ شَفْرَتَاهُ | وَأمْسَى خَلْفَ قَائِمِهِ الحِيارُ |
وَكانَ بَنُو كِلابٍ حَيثُ كَعبٌ | فخافُوا أنْ يَصِيرُوا حيَثُ صارُوا |
تَلَقّوْا عِزَّ مَوْلاهُمْ بِذُلٍّ | وَسَارَ إلى بَني كَعبٍ وَسارُوا |
فَأقْبَلَهَا المُرُوجَ مُسَوَّمَاتٍ | ضَوَامِرَ لا هُزالَ وَلا شِيارُ |
تُثِيرُ عَلى سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرّاً | تَنَاكَرُ تَحْتَهُ لَوْلا الشّعَارُ |
عَجَاجاً تَعثُرُ العِقْبانُ فِيهِ | كَأنّ الجَوّ وَعْثٌ أوْ خَبَارُ |
وَظَلّ الطّعْنُ في الخَيْلَينِ خَلْساً | كأنّ المَوْتَ بَيْنَهُمَا اختِصارُ |
فَلَزَّهُمُ الطّرادُ إلى قِتَالٍ | أحَدُّ سِلاحِهِمْ فيهِ الفِرارُ |
مَضَوْا مُتَسابِقي الأعْضاءِ فيهِ | لأِرْؤسِهِمْ بأرْجُلِهِمْ عِثَارُ |
يَشُلّهُمُ بكُلّ أقَبَّ نَهْدٍ | لِفَارِسِهِ عَلى الخَيْلِ الخِيارُ |
وكلِّ أصَمّ يَعْسِلُ جانِبَاهُ | عَلى الكَعْبَينِ مِنْهُ دَمٌ مُمَارُ |
يُغادِرُ كُلَّ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ | وَلَبّتُهُ لثَعْلَبِهِ وِجَارُ |
إذا صَرَفَ النّهارُ الضّوْءَ عَنْهُمْ | دَجَا لَيْلانِ لَيْلٌ وَالغُبَارُ |
وَإنْ جِنْحُ الظّلامِ انجابَ عَنهُمْ | أضَاءَ المَشْرَفِيّةُ وَالنّهَارُ |
وَيَبْكي خَلفَهُمْ دَثْرٌ بُكاهُ | رُغَاءٌ أوْ ثُؤاجٌ أوْ يُعَارُ |
غَطَا بالعِثْيَرِ البَيْدَاءَ حتى | تَحَيّرَتِ المَتَالي وَالعِشَارُ |
وَمَرّوا بالجَبَاةِ يَضُمُّ فيهَا | كِلا الجَيْشَينِ مِنْ نَقْعٍ إزَارُ |
وَجاؤوا الصَّحصَحانَ بلا سُرُوجٍ | وَقَدْ سَقَطَ العِمَامةُ وَالخِمارُ |
وَأُرْهِقَتِ العَذارَى مُرْدَفاتٍ | وَأُوطِئَتِ الأُصَيْبِيَةُ الصّغارُ |
وَقَدْ نُزِحَ الغُوَيْرُ فَلا غُوَيْرٌ | وَنِهْيَا وَالبُيَيْضَةُ وَالجِفَارُ |
وَلَيسَ بغَيرِ تَدْمُرَ مُسْتَغاثٌ | وَتَدْمُرُ كاسمِهَا لَهُمُ دَمَارُ |
أرادوا أنْ يُديرُوا الرّأيَ فِيهَا | فصَبّحَهُمْ برَأيٍ لا يُدارُ |
وَجَيْشٍ كُلّمَا حارُوا بأرْضٍ | وَأقْبَلَ أقْبَلَتْ فيهِ تَحَارُ |
يَحُفّ أغَرَّ لا قَوَدٌ عَلَيْهِ | وَلا دِيَةٌ تُساقُ وَلا اعْتِذارُ |
تُرِيقُ سُيُوفُهُ مُهَجَ الأعادي | وَكُلُّ دَمٍ أرَاقَتْهُ جُبَارُ |
فَكانُوا الأُسدَ لَيسَ لهَا مَصَالٌ | عَلى طَيرٍ وَلَيسَ لهَا مَطارُ |
إذا فَاتُوا الرّماحَ تَنَاوَلَتْهُمْ | بأرْمَاحٍ مِنَ العَطَشِ القِفارُ |
يَرَوْنَ المَوْتَ قُدّاماً وَخَلْفاً | فَيَخْتارُونَ وَالمَوْتُ اضْطِرارُ |
إذا سَلَكَ السّمَاوَةَ غَيرُ هَادٍ | فَقَتْلاهُمْ لِعَيْنَيْهِ مَنَارُ |
وَلَوْ لمْ يُبْقِ لم تَعِشِ البَقَايَا | وَفي المَاضي لمَنْ بقيَ اعتِبارُ |
إذا لمْ يُرْعِ سَيّدُهُمْ عَلَيْهِمْ | فَمَنْ يُرْعي عَلَيْهِمْ أوْ يَغَارُ |
تُفَرّقُهُمْ وَإيّاهُ السّجَايَا | وَيَجْمَعُهُمْ وَإيّاهُ النِّجَارُ |
وَمَالَ بهَا على أرَكٍ وَعُرْضٍ | وَأهْلُ الرَّقّتَينِ لهَا مَزَارُ |
وَأجْفَلَ بالفُراتِ بَنُو نُمَيرٍ | وَزَأْرُهُمُ الذي زَأرُوا خُوارُ |
فَهُمْ حِزَقٌ على الخَابُورِ صَرْعى | بهِمْ منْ شُرْبِ غَيرِهِمِ خُمارُ |
فَلَمْ يَسرَحْ لهُمْ في الصّبحِ مالٌ | وَلم تُوقَدْ لَهُمْ باللّيلِ نَارُ |
حِذارَ فَتًى إذا لم يَرْضَ عَنْهُمْ | فلَيْسَ بنافِعٍ لَهُمُ الحِذارُ |
تَبيتُ وُفُودُهُمْ تَسْرِي إلَيْهِ | وَجَدْواهُ التي سألُوا اغْتِفَارُ |
فَخَلّفَهُمْ بِرَدّ البِيضِ عَنْهُمْ | وَهَامُهُمُ لَهُ مَعَهُمْ مُعَارُ |
هُمُ مِمّنْ أذَمّ لَهُمْ عَلَيْهِ | كَرِيمُ العِرْقِ وَالحَسبُ النُّضَارُ |
فَأصْبَحَ بالعَوَاصِمِ مُسْتَقِرّاً | وَلَيْسَ لبَحْرِ نَائِلِهِ قَرَارُ |
وَأضْحَى ذِكْرُهُ في كُلّ قُطْرٍ | تُدارُ على الغِنَاءِ بِهِ العُقارُ |
تَخِرّ لَهُ القَبائِلُ ساجِداتٍ | وَتَحْمَدُهُ الأسِنّةُ وَالشّفارُ |
كأنّ شُعاعَ عَينِ الشّمسِ فيهِ | فَفي أبْصارِنَا مِنهُ انْكِسارُ |
فَمَنْ طَلَبَ الطّعانَ فَذَا عَليٌّ | وَخَيْلُ الله وَالأسَلُ الحِرارُ |
يَرَاهُ النّاسُ حَيثُ رَأتْهُ كَعْبٌ | بأرْضٍ ما لِنازِلِهَا استِتَارُ |
يُوَسّطُهُ المَفَاوِزَ كُلَّ يَوْمٍ | طِلابُ الطّالِبِينَ لا الانْتِظارُ |
تَصَاهَلُ خَيْلُهُ مُتَجاوِبَاتٍ | وَمَا مِنْ عادَةِ الخَيلِ السِّرَارُ |
بَنُو كَعْبٍ وَمَا أثّرْتَ فيهِمْ | يَدٌ لمْ يُدْمِهَا إلاّ السّوَارُ |
بهَا مِنْ قَطْعِهِ ألَمٌ وَنَقْصٌ | وَفيها مِنْ جَلالَتِهِ افتِخارُ |
لَهُمْ حَقٌّ بشِرْكِكَ في نِزَارٍ | وَأدْنَى الشّرْكِ في أصْلٍ جِوارُ |
لَعَلّ بَنيهِمِ لِبَنيكَ جُنْدٌ | فأوّلُ قُرّحِ الخَيلِ المِهَارُ |
وأنْتَ أبَرُّ مَنْ لَوْ عُقّ أفنى | وَأعْفَى مَنْ عُقُوبَتُهُ البَوَارُ |
وَأقْدَرُ مَنْ يُهَيّجُهُ انْتِصارٌ | وَأحْلَمُ مَنْ يُحَلّمُهُ اقتِدارُ |
وَمَا في سَطْوَةِ الأرْبابِ عَيْبٌ | وَلا في ذِلّةِ العُبْدانِ عَارُ |