دعا ما دعى من غره النهي والأمر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
دعا ما دعى من غره النهي والأمر | فما الملك إلا ما حباك به القهر |
ومن ثنت الدنيا إليه عنانها | تصرف فيما شاء عن إذنه الدهر |
ومن راهن الأقدار في صهوة العلى | فلن تدرك الشعرى مداه ولا الشعر |
إذا الجد أمسى دون غايته المنى | فماذا عسى أن يبلغ النظم والنثر |
ولم لا يلي أسني الممالك مالك | زعيم بجيش من طلائعه النصر |
ليهن دمشقا أن كرسي ملكها | حبي منك صدرا ضاق عن همه الصدر |
وأنك نور الدين مذ زرت أرضها | سمت بك حتى انحط عن نسرها النسر |
خطبت فلم يحجبك عنها وليها | وخطب العلى بالسيف ما دونه ستر |
جلاها لك الإقبال حورية السنا | عليها من الفردوس أردية خضر |
خلوب أكنت من هواك محبة | نمت فانتمت جهرا وسر الهوى جهر |
فسقت إليها الأمن والعدل نحلة | فأمست ولا أسر تخاف ولا إصر |
فإن صافحت يمناك منبعد هجرها | فأحلى التلاقي ما تقدمه هجر |
وهل هي إلا كالحصان تمنعت | دلالا وإن عز الحيا وغلا المهر |
ولكن إذا ما قستها بصداقها | فليس له قدر وليس لها قدر |
هي الثغر أمسى بالكراديس عابسا | وأصبح عن باب الفراديس يفتر |
على أنها لو لم تجبك إنابة | لأرهقها من بأسك الخوف والذعر |
فإما وقفت الخيل ناقعة الصدى | على بردى من فوقها الورق النضر |
فمن بعد ما أوردتها حومة الوغى | وأصدرتها والبيض من علق حمر |
وجللتها نقعا أضاع شياتها | فلا شهبها شهب ولا شقرها شفر |
علا النهر لما كاثر القصب القنا | مكاثرة في كل نحر لها نحر |
وقد شرقت أجرافه بدم العدى | إلى أن جرى العاصي وضحضاحه غمر |
صدعتهم صدع الزجاجة لا يد | لجابرها ما كل كسر له جبر |
فلا ينتحل من بعدها الفخر دائل | فمن بارز الإبرنز كان له الفخر |
ومن بز أنطاكية من مليكها | أطاعته ألحاظ المؤللة الخزر |
أخو الليث لولا غدرة نزعت به | إلى الذئب إن الذئب شيمته الغدر |
أتى رأسه ركضا وغودر شلوه | وليس سوى عافي النسور له قبر |
وقد كان في استبقائه لك منة | هي الفتك لو لم تغضب البيض والسمر |
كما أهدت الأقدار للقمص أسره | وأسعد قرن من حواه لك الأسر |
طغى وبغى عدوا على غلوائه | فأوبقه الكفران عداوة والكفر |
وألقت بأيديها إليك حصونه | ولو لم تجب طوعا لجاء بها القسر |
وأمست عزاز كاسمها بك عزة | تشق على النسرين لو أنها الوكر |
فسر واملأ الدنيا ضياء وبهجة | فبالأفق الداجي إلى ذا السنافقر |
كأني بهذا العزم لا فل حده | وأقصاه بالأقصى وقد قضي الأمر |
وقد أصبح البيت المقدس طاهرا | وليس سوى جاري الدماء له طهر |
وقد أدت البيض الحداد قروضها | فلا عهدة في عنق سيف ولا نذر |
وصلت بمعراج النبي صوارم | مساجدها شفع وساجدها وتر |
وإن يتيمم ساحل البحر مالكا | فلا عجب أن يملك الساحل البحر |
سللت سيوفا أثكلت كل بلدة | بصاحبها حتى تخوفك البدر |
إذا سار نور الدين في عزماته | فقولا لليل الإفك قد طلع الفجر |
همام متى هزت مواضي سيوفه | لها ذكرا زفت له قلعة بكر |
ولو لم يسر في عسكر من جنوده | لكان له من نفسه عسكر مجر |
مليك سمت شم المنابر باسمه | كما زهيت تيها به الأنجم الزهر |
فيا كعبة ما زال في عرصاتها | مواسم حج لا يروعها النفر |
خلعت على الأيام من حلل العلى | ملابس من أعلامها الحمد والشكر |
وتوجت ثغر الشام منك جلالة | تمنت لها بغداد لو أنها ثغر |
فلا تفتخر مصر علينا بنيلها | فيمناك نيل كل مصر بها مصر |
رددت الجهاد الصعب سهلا سبيله | ويا طالما أمسى ومسلكه وعر |
وأطمعت في الإفرنج من كان بأسه | تخوف أن يعتاده منهم فكر |
وأقحمت جرد الخيل أعلى حصونها | ولولاك لم يهجم على كافر كفر |
ومن يدعي فيقتلك الشرك شركة | إذا لم يكن عند القوافي له ذكر |
هي القانتات الحافظات فروجها | فشاهدها عدل ورائقها سحر |
ولو لم يكن في فضلها وكمالها | سوى أنها من بعد عمر الفتى عمر |