البريد الأدبي
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
على مسرح الأوبرا
افتتحت الفرقة القومية موسمها على مسرح الأوبرا بمسرحية (مصرع كليوبترا) وهي داخلة في أدبنا القومي. وميزة المسرحية أن موضوعها مصري وأن صاحبها وضعها بالعربية شعراً.
وإذا نحن نظرنا في مبناها ومعناها أصبنا الأول لا يخرج عن طرائق النظم المألوفة بمحاسنها ومساوئها، مع توخي الَجرسْ البحتري اللطيف، وتطلب الحكم والأمثال على أسلوب المتنبي وغيره.
ذاك هو شوقي الذي لم يسعده إقدامه على فك أداء الشعر العاني.
وأما المعنى فتسَّيره النية الحسنة ويزينه الظرف، ثم يعوزه الإيغال في التفكير الشامل، والكشف عن بواطن النفس، وتغليب التلميح الرقيق على التصريح الذي لا يدع شيئاً لمخيلة متخيل وقد ألقى الممثلون شعر شوقي كما كنا نلقي الشعر العربي في المدارس: نقطَّع أقسام البيت ونتمهل عند العروض ثم نضغط على الضرب، والذي يحرك ألسنتنا الوزن الذي عليه جاءت القطعة أو القصيدة.
وفي ذلك الأمر ما فيه من غرابة، فإن الشعر لعهدنا هذا في أوربة (وعنها نأخذ فن التمثيل) يلقي على المسرح كأنه نثر.
وسبب ذلك أن القصيدة تقوم بمعانيها وألفاظها لا بتفاعيلها، والتفاعيل كأنها الدعامات والخشب في منزل، وأما المعاني والألفاظ فأثاثه والتزاويق والتصاوير وكل ما يأخذ الطرف.
كل ذلك فضلاً عن أن تقطيع أقسام البيت، وفصمه مصراعين، والضغط على القافية الراجعة، يورث الملل ويصك الأذن.
وخير من هذا إنشاد البيت على حسب انسياب المعنى في تضاعيفه، مع التمهل عند اللفتة أو النكتة أو اللفظ الموحى، ومع تسرق العروض والضرب، كأن القصيدة كلها بيت (مدور) على قول أهل العروض.
ومما يذكر بعد هذا أن الممثلين لم يلحنوا إلا قليلاً، ولكن بين الذال والثاء وألسنتهم (ولا سيما ألسنتهن) مغاضبة شديدة وكان التمثيل يجاري لون المسرحية نفسها، وهو اللون الابتداعي (على حد ترجمة الصديق صاحب (الرسالة) بل كان يذهب وراءه على الغالب: ضجة، ومبالغة في الإشارة، وإفراط في التعبير عن الشعور.
ولم يمُسك عن هذا إلا ثلاثة: منسي فهمي، وحسين رياض، وعباس فارس، إذ طلبوا الاعتدال في الأداء لعلمهم أن الصدق فيما هو طبيع وأما إخراج المسرحية فلا أكتمك أن المنظر الأول صدم عيني، فهو منظر (عايدة) المسرحية الملحنة.
ويعلم الله كم مرة مثلت هذه المسرحية في دار الأوبرا الملكية، فكيف غاب عن المخرج أن العين سئمت مناظرها، بل كيف غاب عنه أنها لم تكن لتنتظر واحداً منها في (مصرع كليوبترا) أول ما يرتفع الستار.
وقد رجعت إلى نصَّ شوقي، فقرأت (المنظر الأول - في مكتبة قصر كليوبترا - أشخاص جلوس إلى أعمالهم).
والغريب أن الناظر لم يلمح على المسرح كتاباً واحداً، وأما الأشخاص فكان بعضهم إلى بعض جالساً لمحادثة أو لائتمار.
هذا وفي الإخراج مآخذ أخرى أقف عند واحد منها: كانت الإضاءة تجري على غير بصيرة في غالب الأمر واكثر الحال.
فكانت شديدة جداً في مشاهد تتطلب بعض الظلمة، في مشهد مصرع كليوبترا مثلاً.
حتى الفصل الثالث - وفيه ينشق الستار عن مشهدين متجاورين، أحدهما حجرة الكاهن في المعبد، والآخر جانب من خارج المعبد فيه شجرة باسقة - على حسن توزيع مشهديه، لم يستطيع أن يوحي إلى الناظر ما ابتغاه المؤلف والمخرج جميعاً.
وعلة ذلك اضطراب الإضاءة، فقد كان نور أحد الجانبين يسطع قبل انطفاء نور الجانب الآخر أو بعده توًّا، فلم يتمكن الناظر أن ينتقل - في دخيلة نفسه - من مشهد إلى مشهد: إن للنظر إيحاء وإيهام قبل كل شيء وهذا الحديث يدور على الإخراج في الفرقة القومية.
فهل أخفى عليك أني دهشت - وقد دهش غيري - أن الأستاذ زكي مبارك طليمات المخرج القدير لم يُدعَ هذه السنة، بعد رحيل المخرج الفرنسي (فلاندر)، إلى الوقوف على شؤون الإخراج في الفرقة وهي التي نهضت به من حيث الإخراج أول ما نهضت.
ثم كيف ينسى ناس أن (أهل الكهف) و (تاجر البندقية) خرجتا على يد زكي طليمات ألطف إخراج، وأن الأولى لولا حذقه ما تذوق الجمهور المصري ما فيها من فن رقيق؟ حتَّام تهمل الكفايات - وما أقلها! - في هذا البلد؟ أو أقل ماذا يصنع ناس بما جاء في خطاب رئيس الوزراء: (وكم شاهدنا القادرين من أهل الفن والمعرفة يقصون عن العمل فيما هم أهل له). بشر فارس حاشية: بدا للفرقة أن تدعو أحد المغنين إلى إنشاد قطعة من المسرحية فكان الغناء طنينا، وقد أسعفته الموسيقى، كما أسعفت الرقص. بيني وبين القراء 1 - اطلعت في العدد الأخير من الرسالة على كلمة لحضرة الأخ الكريم الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف يذكر فيها أن الحديث الذي دار في منزل صاحب العزة الدكتور طه حسين بك لا حقيقة له وأن ذلك الاجتماع من نسج الخيال وقد دهشت من كلمة الأستاذ خلاف، وبلغ مني العَجب كل مبلغ.
ولولا الرعاية لحقوق الأخوةّ لقلت إن كلام الأستاذ يحتاج إلى تصحيح، وقدمتُ له الأدلة والأسانيد؛ ولكن الأستاذ خلاف كما أعرفه ينفر من المجادلات والمصاولات، ويكره ما يصحب النقد أحياناً من صَخب وضجيج.
ومن حقه علينا وهو أخٌ كريم أن نجنَّبه مواطن الشغب والصيال وما نمنَّ عليه بهذا الترفق، فهو عندنا أهلٌ للتكريم والتبجيل، وسنصفي ما بيننا من حساب يوم نلتقي مرة ثانية في منزل الدكتور طه حسين 2 - قرأت (الحد الفاصل بين أدب الروح وأدب المعدة) لحضرة الأستاذ محمود على قراعة، وأنا أشكر لهذا الصديق المفضال ما تجشم من المتاعب في شرح الفروق بين النوازع الحسية والعواطف الروحية.
ثم أعتب عليه: فقد آذاني أن يقرر أن زكي مبارك (يتحدى كل فكرة روحية، ويتهكم على كل نزعة سماوية) فمؤلفاتي ومقالاتي ومذاهبي في الحياة تشهد بغير ذلك.
وهذا العناد الذي يعيبه عليّ بعض القراء هو من الشواهد على قوة الروح، ولو كانت المنافع المادية مما يدخل في حسابي لما استبحت الهجوم على فلان وفلان وفلان في سبيل الحق، ولهم قدرة على الضر والنفع، ولهم أصدقاء يقدَّمون ويؤخَّرون، ويحسب لهم طلاب المنافع ألف حساب قد يكون للمظاهر دخلٌ في تلوين الصورة التي تراني عليها بعض العيون، فقد أكثرتُ من الكلام في الغراميات والوجدانيات، ولكن هذا الميل هو في جوهره من صميم الروحانية، وسأقضي حياتي في التغني بالصباحة والملاحة والجمال، تأدباً مع الله الذي جعل الوجود مواسم فتنة ومطالع أقمار ومشارق شموس.
فإن كان هذا مما ينافي الوقار في نظر بعض الناس فهو عندي من أصدق الشواهد على الرزانة والعقل.
ويرحم الله من يقول: شاع في العالمين أني أديبٌ ...
جامح القلب فاتك النظراتِ فاستباح الجهال شتمي وعدُّوا ...
فتنتي بالجمال من هَنَواِتي ظلموني فلم أكن غير روُحٍ ...
صِيغَ من لوعة ومن زفراتِ لو بعيني رأوا صدور الغوانِي ...
سبَّحوا للجمال في الصلواتِ ومن غرائب الدهر - وللدهر غرائب - أن أضطر إلى الدفاع عن نفسي وقد جعلت الهيام بالمعاني الروحية والذوقية شريعة من الشرائع، وملأت الدنيا بالحديث عن أزمات الأرواح والقلوب في الشرق والغرب، ولم تكن فتنتي بالأعاصير في صحراء النجف أقل من فتنتي بالأزاهير في حدائق روان الأستاذ محمود قراعة رجل فاضل، والفضل يوجب عليه أن يعترف بأصل الخلاف بيني وبين الأستاذ أحمد أمين فيما يتصل بأدب المعدة وأدب الروح، فقد أنكرت عليه هذه التسمية فيما يختص بالقرآن، لأن القرآن يرى الشخصية الإنسانية مكونة من جسد وروح، وقد وعد المؤمنين بأن ستكون لهم في الجنة طيبات من النعيم المحسوس والفضل يوجب على الأستاذ قراعة أن يعترف بأني نقلته من حال إلى حال، فقد صرح بأن ما ورد في القرآن من اللذات الحسية ليس إلا رموزاً وإشارات، وأعلن أن بعض المبشرين تهكم حين سمع أننا نقول بأن المؤمنين ستكون لهم في الجنة أطايب من لذات الحواس! وقد بينت في الكلمات الماضية أن هذه النزعة لم تصل إلى بعض المسلمين إلا عن طريق النصرانية، وقد اقتنع الأستاذ قراعة بهذا الرأي بعد أن تعرض لمناوشات صوبها إليه باحث من مصر وباحث من فلسطين أما ثناء الأستاذ محمود قراعة على الأستاذ أحمد أمين فهو مقبول، ذكره الله بكل صالحة، وأعانه على فهم القيمة الصحيحة للأدب العربي، وجعله بالفعل لا بالقول من أنصار الروح! اسمعوا كلمة الحق، أيها الناس إن الأستاذ أحمد أمين قال في لغة العرب كلاماً لو قيل مثله في لغة الزنوج لعد من المفتريات، فكيف يكون تصحيح أغلاطه ضرباً من العدوان على الآمنين؟ 3 - أما الأستاذ محمد علي عكاوي فسنرد عليه في العدد المقبل.
وأما الفتنة التي ثارت بين الدكتور فارس والدكتور أدهم وأشير فيها إلى أسمي عدة مرات فقد أكتب عنها كلمة بعد أسابيع زكي مبارك الأدب التحليلي والتركيبي حضرة الأستاذ الفاضل محرر مجلة الرسالة: تحية وسلاماً، وبعد فقد بدت لي بعض الملاحظات وأنا أقرأ ما كتبه الدكتور زكي مبارك أخيراً في الرد على الأستاذ أحمد أمين أجملها فيما يلي: 1 - يقول الدكتور زكي مبارك: (إن الطريقة التحليلية عرفها شعراء العرب منذ اقدم العصور.
وعليه (يريد أحمد أمين) أن يرجع إلى معلقة طرفة ومعلقة لبيَّد وعينية أبن سويد.
) والرأي عندي أن زكي مبارك أخطأ فهم المقصود من اصطلاح الأدب التحليلي، وإلا لما أجاز لنفسه هذا القول.
فمعلقة طرفة ومعلقة لبيد، ليستا من الأدب التحليلي في شيء.
لأن التحليل - كما نعرفه ويعرفه كل الباحثين في تاريخ الآداب - هو رد الأشياء إلى أصولها الأولى، وبيان تقومها بهذه الأصول ووجه هذا التقوم.
ومعلقتا طرفة ولبيد ليستا من ذلك في شيء، وإنما الصفة الغالبة عليهما، صفة الوصف التشريحي.
فطرفة مثلاً يصف لك الجمال في معلقته بدقة تشريحية، ولكن هذا الوصف التشريحي وإن لخص لك التفاصيل في دقة متناهية، فهو بعيد بعد ذلك كل البعد عن أن يظهر لك الجمل في حياته الداخلية.
ذلك أن هذا الوصف التشريحي ينقصه التجرد عن الذاتية من جهة ثم إدخال عنصر الخيال فيها من جهة أخرى.
ومن هنا جاء القصور عن أن يطرق الشاعر الناحية التحليلية في وصف الجمل.
كذلك يمكننا أن نقرر هذا الكلام في شيء قليل من التعديل ليناسب المقام حين نعرض لمعلقة لبيد أو عينية ابن سويد، أو غيرهما ممن ذكرهم زكي مبارك كنماذج للأدب العربي الذي جرى على النهج التحليلي 2 - وضرب الدكتور زكي مبارك مثلاً لقوله بتغلب النزعة التحليلية على أكثر الشعر العربي فقال: إن قصيدة سعيد ابن حميد في النهي عن العقاب فيها تحليل واستقصاء، ثم تعليل وانتقال من العموم إلى الخصوص مما يثبت عنده ملكة التحليل للشاعر.
والذي عندي أن الدكتور زكي أخطأ فهم القصيدة ونوعها وخصائصها.
فالقصيدة ليس فيها تحليل، وإنما كل ما فيها وصف ساذج لحالات تتقوم بفكرة النهي عن العقاب.
كذلك قصيدة الطغرائي في الحمامة الباكية، يمكن أن نقول فيها إنها وصفية ساذجة بعيدة عن التحليل.
أما قصيدة الشريف الرضي فما بدا فيها من تسلسل الفكرة والترابط بين الموضوعات التي تنتقل فيها القصيدة، فهي نتيجة لكون طبيعة الناثر متغلبة على الشريف الرضي، وليس من ذلك طبيعة التحليل في شيء 3 - يتصور الدكتور زكي مبارك أن النزعة التحليلية في الأدب تقوم على أساس الاهتمام بتصوير المعاني وإشعار السامع والقارئ بأن هنالك محاورة للعواطف والقلوب والعقول.
وهذا خطأ، لأن القدرة على الوصف وإجراء الحوار شيء، والقدرة على التحليل شيء آخر، فقد يكون شاعر من الشعراء وصافا، ولكن ذلك لا يعني أنه صاحب تحليل يمكنه من ردَّ الأشياء إلى أصولها الأولى.
وإليك مثلاً لذلك قول تميم بن جميل في وصفه حاله الشعورية وهو يرى منظر الموت أمام المعتصم.
فهذه القصيدة - وقد ذكرها زكي مبارك - وصفية، وهي بعد ذلك ليست قائمة على عنصر التحليل للحالات الشعورية التي كانت تنتابه في ذلك الموقف والخلجات التي كان يحسها، ومنظر الموت أمامه والذي عندي أن السبب في خطأ الدكتور زكي يرجع إلى أنه ظن الوصف من التحليل، وسبب هذا الظن الخاطئ أنه قرأ لإسماعيل مظهر والمازني والعقاد أن ابن الرومي متفوق في الوصف، ثم قرأ لهم أنه صاحب طريقة التحليل في الأدب العربي فاختلط في ذهنه هذا بذاك وكان منه الظن بأن الوصف من التحليل هذه ملاحظات وجدت من المفيد أن أعقب بها على ما كتبه الدكتور زكي مبارك في هذا الموضوع.
وليس بي غير الرغبة في تبيان رأي قديم لي في هذا الموضوع والسلام. (الإسكندرية) إسماعيل أحمد أدهم حول أبن تيمية وابن بطوطة اطلعت في الرسالة الغراء على كلمة للأستاذ محمد محسن البرازي يأخذ فيها على الشيخ الخالدي ما نقلته عنه من أن ابن بطوطة لم يدرك ابن تيمية، وكان الشيخ قد ذكر هذا ينفي ما حدثته به من قول ابن بطوطة إنه رأى ابن تيمية على منبر الجامع بدمشق يقول: إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر فأما إدراك ابن بطوطة لابن تيمية فلا شك فيه كما قال الأستاذ البرازي.
وقد وقع السهو في وضع كلمة يدرك مكان كلمة يلقى.
والكاتب الفاضل يوافق الشيخ الخالدي في هذا وأنا مع إجلالي للأستاذين لا أجد ما يحملني على تكذيب ابن بطوطة في أمر يدعى أنه رآه وسمعه عبد الوهاب عزام رواية (عثمان في الهند) - إلى ناقد الرسالة سمعنا مساء السبت الماضي (21101939) عن طريق الإذاعة اللاسلكية من مسرح (ديانا) بالإسكندرية، رواية (عثمان في الهند) تأليف الأديب محمد شكري، وتمثيل الممثل الهزلي علي الكسار؛ ويسوءني أن أقول: إن هذه الرواية ساقطة؛ وهي أتفه من أن تشاهد أو تذاع أو تسمع! ولعلك يا أخي سمعتها أو شاهدتها فرأيت كيف بدت هزيلة في فكرتها وفي موضوعها وأسلوبها وأغانيها وفي مغزاها، ولولا وجود بضعة (قفشات تخللت القصة لرجحت أن يطالب مشاهدو الرواية بما دفعوا من قروش، إذ لم يشهدوا رواية تذكر، وإنما شهدوا تهريجاً مرذولاً، كالذي يقوم به (الحواة والنور) في الأحياء الفقيرة من العاصمة والأقاليم لقاء مليم أو مليمين لقد جلسنا إلى المذياع وابتدأت الرواية، وذهبنا نفتش عن فكرة تدور عليها، أو مغزى ترمي إليه، فتتابعت الفصول والمناظر، وأعلن المذيع انتهاء الرواية، فدهشنا كما دهش المشاهدون بالمسرح، فلم نسمع منهم هتافاً ولا تحية، ولو على سبيل المجاملة! لم تخرج الرواية عن جملة من الأغاني العادية ومعها جملة من (النكات والقفشات).
وليت الأغاني كانت جديدة، أو جميلة، أو قوية؛ ولكنها كانت ثقيلة، مملولة، معادة وإن ظهرت في ألفاظ جديدة وشكل جديد؛ واللحن المكرر يسأم وإن عرض من آخره معكوساً بدل عرضه من أوله.
!! قد يقول قائل: إن الفرقة هزلية، والرواية (كوميدية) مضحكة، وعلى ذلك فلا يشترط أن تتضمن الرواية فكرة أو ترمي إلى مغزى؛ وقائل هذا مخطئ بعيد عن روح المسرح جاهل لرسالته.
فسواء كانت الرواية محزنة أو مضحكة، وسواء كانت من (الدرام) أو (الكوميدية)، فإنها تستطيع - بل يجب - أن توضح ما يشاء المؤلف من أفكار، وتعرض ما يشاء من مبادئ، وتظهر ما يشاء من غرض وقد تستطيع الرواية الهزلية بنكاتها اللاذعة و (قفشاتها) المحكمة، أن تؤثر في أفكارنا وفي عواطفنا وفي نفوسنا، أكثر مما تؤثر الرواية المحزنة؛ فإن النفوس أميل إلى الضحك، وأولع بالهزل، ومن هذه السبيل نستطيع أن ندخل إلى النفوس ما نشاء من آراء ومبادئ.
وقد يستطيع الممثل الهزلي بسخريته واستهزائه وتهكمه، أن يقف منا موقف الحكيم الفيلسوف، فيهدي الضال ويرشد الحائر، ويقوي الفضيلة، ويحد من الطغيان! لقد كانت رواية (عثمان في الهند) التي نحن بسبيل نقدها، تتحدث عن أن المعروف إذا فعله المرء وألقى به إلى البحر فإنه لا يضيع، ولكن هل يستطيع حقاً - أو يستطيع من سمع أو شاهد الرواية - أن أقول إنني آمنت - بتأثير الرواية - بهذا المبدأ؟ هل استطاعت الرواية حقاً أن تظهر هذا المبدأ الأخلاقي كأنه قضية مسلمة مقبولة؟ الجواب: كلا!.
إن أكبر اللوم - كما أعتقد - يقع على مؤلف الرواية، لأن الممثل يترسم خطاه، ويتمسك بأسلوبه وطريقته، ولو أن المؤلف أجاد التأليف لاستطاع أن يجيد الممثل التمثيل فنشهد الرواية الكاملة يا حسرة على المسرح المصري.
لقد ظهر عدوه اللدود (السينما) وبدأ يغزوه في كل مكان وكل ميدان، وكنا نتوقع من المسرح أن يشمر عن ساعده، ويحمل سلاحه لمناضلة هذا العدو الجديد، لكي يثبت أنه جدير بالبقاء والحياة.
ولكنه - مع الأسف - رضي من الغنيمة بالإياب، واستطاب الركود والخمول.
وما دليلي على ذلك إلا إقامة أهله على تمثيل الروايات القديمة المكررة التي أكل عليها الدهر وشرب فإذا ما اقدموا على التجديد والتأليف جاءونا بالغث البارد الذي لا يشبع روحاً ولا يرضى فناً، ولا ينال قطرة من إعجاب أو تقدير! أحمد جمعه الشرباصي