قضى عمره في الهجر شوقا إلى الوصل
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
قضى عمره في الهجر شوقا إلى الوصل | وأبلاه من ذكرى الأحبة ما يبلي |
وكان خلي القلب من لوعة الهوى | فأصبح من برح الصبابة في شغل |
وأطربه اللاحي بذكر حبيبه | فآلى عليه أن يزيد من العذل |
وإن مرير العيش يحلو بذكركم | وهل لمرير العيش غيري مستحل |
وصالكم الدنيا وهجركم الردى | وقربكم عزي وبعدكم ذلي |
ومستحسن حفظ الوداد فراقبوا | لأجل اقتناء الحمد عهدي لا أجلي |
نفى الصبر من قلب المتيم خبله | وكيف ثبات القلب في مسكن الخبل |
فقلبي بين الشوق والصبر واقف | على جدد بين الولاية والعزل |
إذا ما بقاء المرء كان بوصل من | يحب فإن الهجر نوع من القتل |
وهل نافعي عذل ونصح على الهوى | وعذلي يغري بي ونصحي لا يسلي |
وما كنت مفتون الفؤاد وإنما | علي فتوني دله فاتن الدل |
نحولي ممن شد عقد نطاقه | على ناحل واه من الخصر منحل |
إذا رام للصد القيام أبت له | روادفه إلا القيام على وصلي |
وكيف تجلى في هزيع من الدجى | وعصن تثنى فوق حقف من الرمل |
وناظره نشوان لامن سلافة | سقيم بلا سقم كحيل بلا كحل |
وأشهد أن الحسن ما خط خطه | بعارضه والسحر ما طرفه يملي |
وما لحظه إلا عقار فإنني | وجدت هوى عينيه يذهب بالعقل |
سقى الله بالزوراء مصر استقامتي | لإنجازه الوعد المصون من المطل |
غداة نضوت الجد أبلى جديده | ولا عيش إلا هز عطفي إلى الهزل |
أنادم غرا من أفاضل أهلها | كراما وكل حلية الزمن العطل |
وإخوان صدق للصداقة بيننا | صفاء صدور طهروها من الغل |
ندارس آي العقل من سورة الهوى | ونفهم معنى العلم من صورة الجهل |
وها أنا قد أصبحت بالشام شائما | سنا بارق من غير وبل ولا كل |
يؤهلني للبعد من كل حظوة | ويحرمني اللذات بعدي من الأهل |
ولا صاحب عندي أحاول نصره | بتخفيف ما يعروه من فادح الثقل |
وإني أرى عين الخصاصة ثروتي | إذا عجزت عن سدها خلة الخل |
ألاين حسادي الأشداء رقبة | لهم وأعاني الصعب بالخلق السهل |
وأبقي مداراة اللئيم لعله | يبيت ولا يطوي الضمير على دغل |
سوى السوء لا تجدي مداراة حاسدي | كما يستفاد السم من صلة الصل |
ومن نقص دهري قصد فضلي بصرفه | ليرخص منه ما من الحق أن يغلي |
وإني من العلياء في الكنف الذي | به حظ فضلي كلما انحط يستعلي |
وماذا بأرض الشام أبغي تعسفا | ولا ناقتي فيها ترام ولا رحلي |
ولي حرم منه الأفاضل في حمى | من الصون بالمعروف بالبذل في حل |
أبي الفضل فيه أن يكون كماله | لغير كمال الدين أعني أبا الفضل |
رحيب النوادي والندى واسع الذرا | رفيع الذرا عالي السنا وافر الظل |
نداه حيا المعروف قد شمل الورى | عموما وغيث الخصب شرد بالمحل |
إذا خفيت سبل الكرام فإنه | كريم المساعي بينهم واضح السبل |
وفي الجدب إن جادت سماه سماحة | بدا زهر الإسعاف في الأمل العقل |
تساوى له الإعلان والسر في العلى | فخلوته ملء المهابة كالحفل |
فتى السن ألا أن للملك قوة | بما هو يستهديه من رأيه الكهل |
من القوم أما المال منهم فعرضه السماح | وأما العرض منهم فللبخل |
أضاء زمان المستضيء إمامنا | بآرائه الميموة العقد والحل |
فمن رأيه ما يطلع السعد من سنا | ومن عزمه ما يطبع النصر من نصل |
وما روضة غناء مرهوبة الثرى | مضوعة الأسحار طيبة الفصل |
شمائلها طابت وطاب شمالها | سقتها شمولا عند مجتمع الشمل |
تردد أنفاس النسيم عليلة | عليها فيشفي مرها كل معتل |
تهب الصبا فيها بليل بليلة | على زهر من عبرة الطل مبتل |
لها من ثغور الأقحوان تبسم | وتنظر عن أحداق نرجسها النجل |
كأن نعاماها تبلغ نحونا | تحيا قرأناها على ألسن الرسل |
تؤرج أرجاء الرضاء كأنما | تجامل في حمل التحية عن جمل |
مرجعة فوق الغصون حمامها | فنون هدل بين أفنانها الهدل |
تنوح بها الورقاء شجوا كأنها | مفجعة بين الحمائم بالشكل |
مطوقة أبلت سواد حدادها | ففي الجيد باق منه طوق له كحلي |
بأحسن من أخلاقك الزهر بهجة | وأذكى وأزكى من سجيتك الرسل |
إليك سرت مني مطايا مدائح | من الشكر والإحماد موقرة الحمل |
سوائر في الآفاق وهي مطيفة | ببابك دون الخلق مخلوفة العقل |
تهذب معناها بصقلي لفظها | كما بان إثر المشرفي لدى الصقل |
وإن يجل شعري في مديحك رونقا | وحسنا فإن الشهد من نحل النحل |
سلمت ولا لاقت عداك سلامة | ورهطك في كثر وشانيك في فل |
ودمت ولا زالت بسطوك ديمة الوبال | على الأعداء دائمة الوبل |
ودرت لك النعمى على كل آمل | بقيت بقاء الذر والحرث والنسل |