سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
سَقَى أرْيِحَاءَ الغَيْثُ وَهي بَغِيضَةٌ | إليّ وَلَكِنْ بي ليُسقَاهُ هَامُهَا |
مِنَ العَينِ مُنْحَلُّ العَزالي تَسُوقُهُ | جَنُوبٌ بِأنْضَادٍ يَسُحّ رْكَامُهَا |
إذا أقْلَعَتْ عَنْهَا سَمَاءٌ مُلِحّةٌ | تَبَعّجَ مِنْ أُخْرَى عَلَيْكَ غَمامُها |
فَبِتُّ بِدَيْرَيْ أرْيْحاءَ بِلَيْلَةٍ | خُدارِيّةٍ، يُزْدادُ طُولاً تَمَامُهَا |
أُكَابدُ فيهَا نَفْس أقْرَبِ من مشَى | أبُوهُ لِنَفْسٍ مَاتَ عَني نِيَامُهَا |
وَكَان إذا أرْضٌ رَأتْهُ تَزَيّلَتْ | لِرُؤيَتِهِ صَحْرَاؤهَا وَإكَامُهَا |
تَرَى مَزِقَ السّرْبالِ فوْقَ سَمَيَدعٍ، | يَدَاهُ لأيْتَامِ الشّتَاءِ طَعَامُهَا |
على مِثْلِ نَصْلِ السّيْفِ مزّق غمدَهُ | مَضَارِبُ مِنْهُ، لا يُفَلّ حُسَامُهَا |
وَكَانَتْ حَيَاةَ الهَالِكِينَ يَمِينُهُ، | وَللنِّيبِ والأبْطَالِ فيها سِمَامهَا |
وَكَانَتْ يَدَاهُ المِرْزَمَينِ، وَقِدْرُهُ | طَوِيلاً بِأفْنَاءِ البُيُوتِ صِيَامُهَا |
تَفَرَّقُ عَنْهَا النّارُ، وَالنّابُ تَرْتمي | بِأعْصَابِهَا أرْجَاؤهَا وَاهْتِزَامُهَا |
جِمَاعٌ يُؤدّي اللّيْلُ من كُلِّ جَانبٍ | إلَيها إذا وَارَى الجِبَالَ ظَلامُهَا |
يَتَامَى على آثَارِ سُودٍ، كَأنّهَا | رِئَالٌ دَعَاهَا للمَبِيتِ نَعَامُهَا |
لمَنْ أخْطَأتْهُ أرْيِحَاءُ لَقَدْ رَمَتْ | فَتىً كَانَ حَلاّلَ الرّوَابي سِهَامُهَا |
لَئِنْ خَرّمَتْ عَني المَنَايَا مُحَمّداً، | لَقَدْ كانَ أفنى الأوّلينَ اخْتِرَامُهَا |
فَتىً كَانَ لا يُبْلي الإزَارَ وَسَيْفُهُ | بهِ للمَوَالي في التّرَابِ انْتِقَامُهَا |
فَتىً لمْ يَكُنْ يُدْعَى فَتىً ليس مثلَهُ | إذا الرّيحُ ساقَ الشَّوْلَ شلاًّ جَهامُهَا |
فَتىً كَشهَابِ اللّيْلِ يَرْفَعُ نَارَهُ، | إذا النّارُ أخْبَاها لَسارٍ ضِرَامُهَا |
وَكُنّا نَرَى مِنْ غَالِبٍ في مُحَمّدٍ | خَلايِقَ يَعْلُو الفَاعِلِينَ جِسَامُهَا |
تَكَرُّمَهُ عَمَا يُعَيَّرُ، وَالقِرَى، | إذا السّنَةُ الحَمْرَاءُ جَلّحَ عَامُهَا |
وَكَانَ حَيّاً للمُمْحِلِينَ وَعِصْمَةً، | إذا السّنَةُ الشّهْبَاءُ حَلّ حَرَامُهَا |
وَقدْ كانَ مِتْعابَ المَطيّ على الوَجَا، | وبَالسّيْفِ زَادُ المُرْمِلِينَ اعتِيامُهَا |
وَمَا مِنْ فَتىً كُنّا نَبِيعُ مُحَمّداً | بهِ حينَ تَعْتَزّ الأُمُورُ عِظَامُهَا |
إذا مَا شِتَاءُ المَحْلِ أمسَى قد ارْتدى | بمِثْلِ سَحِيقِ الأُرْجُوَانِ قتامُهَا |
أقُولُ إذا قَالُوا وَكَمْ منْ قَبِيلَةٍ | حَوَالَيْكَ لمْ يُترَكْ عَلَيْها سِنَامُهَا |
أبَى ذِكْرَ سَوْرَات إذا حُلّتِ الحُبى، | وَعندَ القِرَى، وَالأرْضُ بالٍ ثُمامُهَا |
سأبكيكَ ما كانَتْ بنَفْسِي حُشاشَةٌ، | وَما دَبّ فوْقَ الأرْضِ يَمشِي أنامُهَا |
وَمَا لاحَ نَجْمٌ في السّمَاء، وَما دَعا | حَمامَةَ أيْك فَوْقَ سَاق حَمامُهَا |
فَهلْ تَرْجِعُ النّفس التي قد تَفرّقَتْ | حَياةُ صَدىً تَحتَ القُبُورِ عِظامُهَا |
وَليسَ بمَحْبُوسٍ عن النفس مُرْسلٌ | إلَيها، إذا نَفْسٌ أتَاهَا حِمَامُهَا |
لَعمْرِي لَقَدْ سَلّمتُ لَوْ أنّ جِثَوةً | عَلى جَدَثٍ رَدّ السّلامَ كَلامُها |
فَهَوّنَ وَجْدي أنْ كلّ أبي امرِىءٍ | سَيُثكَلُ، أوْ يَلقاهُ مِنها لزَامُهَا |
وَقَدْ خَانَ مَا بَيْني وبَينَ مُحَمّدٍ | لَيَالٍ وَأيّامٌ تَنَاءَى التِئَامُهَا |
كما خانَ دَلْوَ القَوْمِ إذْ يُستَقى بها | من المَاءِ من مَتنِ الرِّشاءِ انجذامُهَا |
وَقَدْ تَرَكَ الأيّامُ لي بَعْدَ صَاحِبي | إذا أظْلَمَتْ عَيْناً طَوِيلاً سِجامُهَا |
كَأنّ دَلُوحاً تَرْتَقَى في صُعُودِها، | يُصِيبُ مَسِيلَيْ مُقْلَتَيّ سِلامُهَا |
على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ | تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا |
على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ | تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا |
لَعَمرِي لَقد عَوّرْتُ فَوْقَ مُحَمّدٍ | قَلِيباً بِهِ عَنّا، طَويلاً مُقَامُهَا |
شَآمِيّةَ غَبْرَاءَ لا غُولَ غَيرُهَا، | إلَيها مِنَ الدّنيا الغَرُورِ انْصِرَامُهَا |
فَلِلّهِ مَا اسْتَوْدَعْتُمُ قَعْرَ هُوّةٍ، | وَمِنْ دُونِهِ أرْجَاؤهَا وَهُيَامُهَا |
بِغَوْرِيّةِ الشّأمِ التي قَدْ تَحُلّهَا | تَنُوخُ، وَلَخْمٌ أهلُها وَجُذامُهَا |
وَقَدْ حَلّ داراً عَنْ بَنِيهِ مُحَمّدٌ | بَطِيئاً، لمَنْ يَرْجُو اللّقَاءَ، لمَامُهَا |
وَمَا مِنْ فِرَاقٍ غَيرَ حَيْثُ رِكَابُنَا | على القَبرِ مَحْبُوسٌ عَلَينا قِيامُهَا |
تُنَادِيهِ تَرْجُو أنْ يُجِيبَ وَقَدْ أتى | من الأرْضِ أنضَادٌ عَلَيهِ سِلامُهَا |
وَقَدْ كَانَ مِمّا في خَليلَيْ مُحَمّدٍ | شَمَائِلُ لا يُخشَى على الجارِ ذامُها |