ألا استهزأت مني هنيدة أن رأت
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
ألا استَهْزَأتْ مني هُنَيدَةُ أنْ رَأتْ | أسِيراً يُداني خَطْوَهُ حَلَقُ الحِجلِ |
وَلَوْ عَلِمَتْ أنّ الوَثَاقَ أشَدُّهُ | إلى النّارِ قالتْ لي مَقالةَ ذي عَقلِ |
لَعَمْرِي لَئِنْ قَيّدْتُ نَفْسي لطالما | سَعَيتُ وأوْضَعْتُ المَطِيّةَ للجَهلِ |
ثَلاثِينَ عاماً ما أرَى مِنْ عَمَايَةٍ، | إذا بَرَقَتْ، إلاّ شَدَدْتُ لها رَحْلي |
أتَتْني أحادِيثُ البَعِيثِ وَدُونَهُ | زَرُودٌ فشاماتُ الشّقيقِ إلى الرّمْلِ |
فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخَبِيثَةِ أنّني | شُغِلْتُ عن الرّامي الكِنانَةَ بالنَّبْلِ |
فإنْ يَكُ قَيْدي كان نَذراً نَذَرْتُهُ، | فما بي عَنْ أحْسابِ قَوْميَ من شغلِ |
أنا الضّامنُ الرّاعي عَلَيْهِمْ، وَإنّما | يُدافَعُ عنْ أحسابهِمْ أنا أوْ مِثْلي |
ولَو ضَاعَ ما قالُوا ارْعَ منّا وَجَدتَهم | شِحاحاً على الغالي من الحَسبِ الجَزْلِ |
إذا ما رَضُوا مني، إذا كنتُ ضَامِناً | بأحسابِ قَوْمي في الجبِالِ وفي السّهلِ |
فَمَهما أعِشْ لا يُضْمِنُوني وَلا أضَعْ | لهُمْ حَسَباً ما حَرّكَتْ قَدَمي نَعْلي |
وَلَستُ إذا ثَارَ الغُبارُ على امرِىءٍ، | غَداةَ الرّهانِ، بالبَطيء ولا الوَغْلِ |
وَلَكِنْ تُرى لي غَايَةُ المَجْدِ سابقاً، | إذا الخَيلُ قادَتها الجيادُ معَ الفَحلِ |
وَحَوْلَكَ أقَوامٌ رَددْتَ عُقُولَهُمْ | عَلَيهمْ لكانوا كالفَرَاشِ من الجَهلِ |
رَفَعْتُ لهُمْ صَوْتَ المُنادي فأبصرُوا | على خَدِباتٍ في كَواهِلِهمْ جُزْلِ |
وَلوْلا حَيَاءٌ زِدْتُ رَأسَك هَزْمَةً، | إذا سُبِرَتْ ظَلّتْ جَوانِبُها تَغْلي |
بَعِيدَةُ أطْرَافِ الصُّدُوعِ كَأنّهَا | رَكِيّةُ لُقْمَانَ الشّبِيهَةُ بالذَّحْلِ |
إذا نَظَرَ الآسُونَ فِيهَا تَقَلّبَتْ | حَماليقُهمْ من هَوْلِ أنيابِها الثُّعْلِ |
إذا ما رَأتْها الشّمسُ ظَلّ طَبِيبُهَا | كمَن ماتَ، حتى اللّيلِ مُختَلَس العقلِ |
يَوَدّ لَكَ الأدْنَوْنَ لوْ مُتّ قَبْلَها، | يَرَوْنَ بهَا شَرّاً عَلَيْكَ من القَتْلِ |
تعرَى في نَواحِيها الفِرَاخَ، كَأنّما | جَثَمْنَ حَوَاليْ أُمّ أرْبَعَةٍ طُحلِ |
شَرَنْبَثَةٌ شَمْطَاءُ مَنْ يَرَ ما بِها | تُشِبْهُ وَلَوْ بَينَ الخِماسِيّ وَالطِّفْلِ |
إذا ما سَقَوْها السّمن أقْبَلَ وَجهُها | بعَينيْ عَجوزٍ من عُرَينَةَ أوْ عُكلِ |
جَنَادِفَةٍ سَجْرَاءَ، تَأخُذُ عَيْنُها | إذا اكتحَلتْ نصْفَ القفيزِ من الكُحلِ |
وَإني لَمِنْ قَوْمٍ يَكُونُ غَسُولُهمْ | قِرَى فأرَةِ الدّارِيّ تُضرَبُ في الغَسلِ |
فما وَجَدَ الشّافُونَ مثلَ دِمائِنا | شِفاءً ولا السّاقونَ من عسل النّحلِ |