لئن صبر الحجاج ما من مصيبة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لَئِنْ صَبَرَ الحَجّاجُ ما مِنْ مُصِيبَةٍ | تَكُونُ لِمَرْزُوءٍ أجَلَّ وَأوْجَعا |
مِنَ المُصْطَفى وَالمُصْطفى من ثِقاتِه، | خَليلَيْهِ إذ بَانَا جَميعاً فَوَدَّعا |
وَلَوْ رُزِئَتْ مِثْلَيْهِما هَضْبَةُ الحمى | لأصْبحَ ما دارَتْ من الأرْضِ بلْقَعا |
جَناحَا عَتِيقٍ فَارَقَاهُ كِلاهُما، | وَلَوْ كُسِرَا مِنْ غَيْرِهِ لتَضَعْضَعا |
وَكَانَا وَكانَ المَوْتُ للنّاسِ نُهَيةً، | سِناناً وَسَيْفاً يَقْطُرُ السّمَّ مُنْقَعَا |
فَلا يَوْمَ إلاّ يَوْمُ مَوْتِ خَلِيفَةٍ | عَلى النّاسِ من يَوْمَيْهِما كان أفجعَا |
وَفَضْلاهُما مِمّا يُعَدّ كِلاهُما | على الناسِ مِنْ يَوْمَيهِما كان أوْسَعا |
فَلا صَبْرَ إلاّ دُونَ صَبْرٍ على الذي | رُزِئْتَ عَلى يَوْم من البأسِ أشْنَعا |
على ابنِكَ وَابنِ الأمّ، إذْ أدرَكَتهما | المَنايا، وَقَدْ أفْنَينَ عَاداً وَتُبّعا |
ولَوْ أنّ يَوْمَي جُمْعَتَيْهِ تَتَابَعَا | عَلى جَبَلٍ أمْسَى حُطاماً مُصَرَّعا |
وَلَمْ يكُنِ الحَجّاجُ إلاّ عَلى الّذِي | هُوَ الدّينُ أوْ فَقْدِ الإمامِ ليَجْزَعا |
وَمَا رَاعَ مَنْعِيّاً لَهُ من أخٍ لَهُ، | ولا ابنٍ مِنَ الأقوَامِ مِثلاهُما مَعا |
فَإنْ يَكُ أمْسَى فارَقَتْهُ نَوَاهُما، | فكلُّ امرِىءٍ من غُصّةٍ قَدْ تَجَرّعا |
فَلَيْتَ البَرِيدَينِ اللَّذَينِ تَتَابَعَا | بِما أخْبَرَا ذاقَا الذُّعافَ المُسَلَّعا |
ألا سَلَتَ الله ابنَ سَلْتى كَمَا نَعَى | رَبِيعاً تَجَلّى غَيْمُهُ، حِينَ أقلَعا |
فلا رُزْءَ إلاّ الدّينَ أعْظَمُ مِنهُما | غَداةَ دَعَا ناعِيِهما، ثمّ أسْمَعا |
عَلانِيَةً أنّ السِّماكَينِ فَارَقَا | مَكانَيْهِما وَالصُّمَّ أصْبَحْنَ خُشّعا |
عَلى خَيْرِ مَنْعِيّينِ، إلاّ خَلِيفَةً، | وَأولاهُ بالمَجدِ الّذي كانَ أرْفَعا |
سَمِيَّيْ رَسُولِ الله سَمّاهُما بِهِ | أبٌ لمْ يكُنْ عندَ المُصِيباتِ أخْضَعا |
أبٌ كان للحَجّاجِ لمْ يُرَ مِثْلُهُ | أباً، كان أبْنَى للمَعالي وَأنْفَعا |
وَقائِلَةٍ لَيْتَ القِيامَةَ أُرْسِلَتْ | عَلَينا ولمْ يُجرُوا البَرِيدَ المُقَزَّعا |
ألَيْنَا بِمَخْتُومٍ عَلَيْها مُؤجَّلاً | ليُبْلِغَناها، عاشَ في الناسِ أجدَعا |
نَعَى فَتَيَيْنَا للطِّعانِ وَللقِرَى، | وَعَدْلَينِ كانَا للحُكومَة مَقْنعَا |
خِيارَينِ كَانَا يَمْنَعانِ ذِمَارَنَا، | وَمَعقِلَ من يَبكي إذا الرَّوْعُ أفْزَعا |
فَعَيْنَيّ ما المَوْتَى سَوَاءً بُكَاهُمُ، | فَالبدّمِ، إنْ أنْزَفْتُما المَاء، فادْمَعا |
وَما لَكُما لا تَبْكِيانِ، وقَدْ بكَى | مِنَ الحَزَنِ الهَضْبُ الذي قد تَقَلّعا |
مَآتِمُ لابْنيْ يُوسُفٍ تَلْتَقي لهَا | نَوَائِحُ تَنْعَى وَارِيَ الزَّنْدِ أرْوَعا |
نَعَتْ خَيرَ شُبّانِ الرّجالِ وَخَيرَهمْ | بهِ الشَّيبُ مِنْ أكْنَافِهِ قَدْ تَلَفّعا |
أخاً كانَ أجْزَى أيْسَرَ الأرْضِ كلِّها | وَأجْزَى ابْنُهُ أمْرَ العِرَاقَينِ أجمَعا |
وَقَدْ رَاعَ للحجّاجِ ناعِيهِما معاً، | صَبُوراً عَلى المَيْتِ الكَرِيمِ مُفَجَّعا |
وَيَوْمٍ تُرَى جَوْزَاؤهُ مِنْ ظَلامِهِ | ترَى طَيْرَهُ قَبْلَ الوَقِيعَةِ وَقَّعا |
ليَنْظُرْنَ ما تَقضِي الأسِنّةُ بَيْنَهمْ، | وَكُلُّ حُسامٍ غِمدُهُ قَد تَسَعْسَعا |
جَعَلْتَ لعافِيها بِكُلّ كَرِيهَةٍ | جُمُوعاً إلى القَتْلى مَعافاً وَمَشْبَعا |
وَحَائِمَةٍ فَوْقَ الرّماحِ نُسُورُها، | صَرَعْتَ لعافِيها الكَمِيّ المُقَنَّعا |
بهِنْدِيّةٍ بِيضٍ، إذا مَا تَناوَلَتْ | مكانَ الصّدى من رَأس عاصٍ تجَعجعا |
وَقد كنتَ ضَرّاباً بها يا ابنَ يوسُفٍ | جَماجِمَ مَنْ عادَى الإمامَ وَشَيّعا |
جَماجِمَ قَوْمٍ ناكِثِينَ جَرَى بِهمْ | إلى الغَيّ إبْلِيسُ النِّفاقِ وَأوْضَعا |