وطارق ليل من علية زارنا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
وَطَارِقِ لَيْلٍ مِنْ عُلَيّةَ زَارَنَا، | وَقَد كادَ عَني اللّيْلُ يَنفَدُ آخِرُهْ |
فَقُلْتُ لَهُ: هَذا مَبِيتٌ، وَعِنْدَنا | قِرَى طَارِقٍ مِنّا، قَرِيبٍ أوَاصِرُهْ |
كَرِيمٍ عَلَيْنَا زَارَنا عَنْ حَنَابَةٍ | بهِ اللّيلُ إذْ حَلّتْ علينا عَساكِرُهْ |
فَبَاتَ وَبِتْنَا نَحْسِبُ اللّيلَ مُصْبحاً | بها عندَنا، حَتى تَجَرّمَ غَابِرهْ |
فَلَوْ لمْ تكنْ رُؤياً لأصْبَحَ عِنْدَنَا | كَرِيمٌ من الأضْيافِ عَفٌّ سَرَائرُهْ |
فَيا لَعِبَادِ الله! كَيْفَ تَخَيّلَتْ | لَنَا بَاطلاً لَمّا جَلا اللّيْلَ نائرُهْ |
إلى أسَدٍ سِيري فَإنّ لِقَاءَهُ | حيا الغيثِ يُحيي ميّتَ الأرْضِ ماطرُهْ |
إلَيْكَ أبَا الأشبالِ سارَتْ وَخَاطَرَتْ | عَوَادِيَ لَيْلٍ كَانَ تُخشَى بَوادرُهْ |
لِتَلْقَى أبَا الأشْبَالِ، وَالمُسْتَغِيثُهُ | من الفَقْرِ أوْ خَوْفٍ تُخافُ جَرَائرُهْ |
كَفاهُ الذي تَخشَى منَ الخَوْفِ نفسُه | وَسُدّتْ بإعطاءِ الألُوفِ مَفاقِرُهْ |
دَعاني أبُو الأشْبَالِ وَالنِّيلُ دُونَهُ، | وَأيُّ مُجِيبٍ إذْ دَعَاني وَزَائِرُهْ |
وَما زَالَ مُذْ كَانَ الخُماسِيَّ يَشترِي | غَوَاليَ مِنْ مَجْدٍ عِظَامٍ مَآثِرُهْ |
يَعُودُ على المَوْلى نَدَاهُ وَمَالُهُ، | وَقد عزّ وَسطَ القَوْمِ من هَو ناصِرُهْ |
عَلَتْ كَفُّكَ اليُمنى، طِعاناً ونائلاً، | يَدَيْ كلِّ مِعْطَاءٍ وقِرْنٍ تُساوِرُهْ |
وَأنْتَ الذي تُسْتَهْزَمُ الخَيْلُ باسمهِ | إذا لحِقَتْ وَالطّعْنُ حُمْرٌ بَصَائرُهْ |
وَدَاعٍ حَجَزْتَ الخَيْلَ عنهُ بطَعنةٍ | لهَا عَانِدٌ لا تَطْمَئِنّ مسابِرُهْ |
وَقَد عَلِمَ الدّاعِيكَ أنْ ستُجيبُهُ | بحَاجِزَةٍ، وَالنّقْعُ أكْدَر ثَائِرهْ |
عطَفْتَ عليهِ الخيلَ من خَلفِ ظهرِهِ | وَقَدْ جاءَ بالمَوْتِ المُظلِّ مَقادِرُهْ |
رَدَدْتَ لَهُ الرّوحَ الذي هوَ قَدْ دَنَا | إلى فِيهِ مِنْ مَجْرٍ إلَيْهِ يُبَادِرُهْ |
وَأنْتَ امْرُؤٌ يَبْتَاعُ بالسّيْفِ ما غَلا | وَبالرّمح لمّا أكْسَدَ الطّعنَ تاجِرُهْ |
مَكارِمَ يُغْلِيها الطِّعَانُ إذا التَقَتْ | عَوالٍ مِنَ الخَطّيّ، صُمٌّ مكاسِرُهْ |
وَأنْتَ ابنُ أمْلاكٍ وَكانتْ إذَا دَعَا | إلَيْها نِسَاءُ الحَيّ تَسْعَى حرَائرُهْ |
يَداكَ يَدٌ إحداهُما النّيلُ وَالنّدى، | ورَاحَتُهَا الأخْرَى طِعَانٌ تُعاوِرُهْ |
ولَوْ كانَ لاقاهُ ابنُ مامَةَ لانتَهَى | وَجُودُ أبي الأشبالِ يَعلُوهُ زَاخرُهْ |
فَما أحيَ لا أجعَلْ لساني لِغَيْرِكُمْ، | وَلا مِدَحي مَا حَيّ للزّيتِ عاصِرُهْ |
فَلَوْلا أبُو الأشْبَالِ أصْبَحْتُ نَائِياً | وَأصْبَحَ في رِجْلَيَّ قَيْدٌ أُحَاذِرُهْ |
تَدارَكَني مِنْ هُوّةٍ كانَ قَعْرُهَا | بَعِيداً وَأعْلاها كَؤودٌ مَصَادِرُهْ |
فَأصْبَحْتُ مِثْلَ الظّبْيِ أفلتَ بعدما | منَ الحَبلِ كانَتْ أعلَقَتهُ مَرَائِرُهْ |
طَلِيقاً لِرَبّ العالَمِينَ، وَللّذِي | يَمُنّ عَلى الأسْرَى وَجَارٍ يُجاوِرُهْ |
طَلِيقَ أبي الأشْبَالِ، أصْبَحَ جَارُهُ | على حَيثُ لا يدنو من الطَّوْدِ طَائِرُهْ |
فَمَا أنَا إلاّ مِنْكُمُ مَا تَعَلّقَتْ | حَيَاتي إلى اليَوْمِ الّذي أنَا صَائِرُهْ |
وَمَا لي شَيْءٌ كَانَ يُوفي بِنِعْمَةٍ | عَليّ لَكُمْ مِنْ فَضْلِ ما أنا شاكِرُهْ |
وَلَوْ أنّ نَفْساً لي تَمَنّتْ سِوَى الذي | لَقِيتُ لَكَانَ الدّهْرُ بي ذَلّ عاثِرُهْ |