ألم يك جهلا بعد سبعين حجة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ألمْ يَكُ جَهْلاً بَعْدَ سَبْعِينَ حِجّةً | تَذَكُّرُ أُمّ الفَضْلِ وَالرّأسُ أشيَبُ |
وَقيلُكَ: هَلْ مَعرْوفُها رَاجِعٌ لَنَا، | وَلَيسَ لشيءٍ قَد تَفاوَتَ مَطْلَبُ |
على حِينَ وَلّى الدّهْرُ إلاّ أقَلّهُ، | وكادَتْ بَقايا آخِرِ العَيشِ تَذهَبُ |
فإنْ تُؤذِنينا بِالفِرَاقِ، فَلَسْتُمُ | بِأوّلِ مَنْ يَنْسَى، وَمَنْ يَتَجَنّبُ |
ورُبّ حَبيبٍ قَدْ تَناسَيْتُ فَقْدَهُ، | يَكَادُ فُؤادي إثْرَهُ يَتَلَهّبُ |
أخي ثِقَةٍ في كلّ أمْرٍ يَنُوبُني، | وَعِنْدَ جَسِيمِ الأمْرِ لا يَتَغَيّبُ |
قَرَعْتُ ظنابيبي على الصّبْرِ بعْدَهُ، | فقدْ جَعلتْ عنهُ الجَنائبُ تُصْحِبُ |
دعاني سَيّارٌ وَقَدْ أشْرَفَتْ بِهِ | مَهالِكُ يُلْفَى دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ |
فَقُلتُ لَهُ: إِنِّن أخُوكَ الَّذِي بِهِ | تَنُوءُ إذا عَمَّ الدّعَاءَ المُثَوِّبُ |
فإنْ تَكُ مَظْلُوماً، فإنّ شِفَاءهُ | بِوَرْدٍ، وبَعْضُ الأمْرِ للأمْرِ مُجلبُ |
هُوَ الحَكمُ الرّاعي وَأنْتَ رَعِيّةٌ، | وكلُّ قضَاءٍ سَوْفَ يُحصَى وَيُكتَبُ |
وأنْتَ وَليُّ الحَقّ تَقْضي بِفَصْلِهِ؛ | وَأنْتَ وَليُّ العَفْوِ إذْ هُوَ مُذْنِبُ |
يَزِينُ عُبَيْداً كُلُّ شَيءٍ بَنَيْتَهُ، | وَأنْتَ فَتَاهَا وَالصّرِيحُ المُهَذَّبُ |
نَمَتْكَ قُرُومٌ مِنْ حَنيفَةَ جِلّةٌ، | إلى عيصها الأعلى الذي لا يُشَذَّبُ |
وَجُرْثُومَةُ العِزّ التي لا يَرْومُهَا | عَدُوٌّ، وَلا يَسْطِيعُهَا المُتَوثِّبُ |
وَمَا قَايَسَتْ حَيّاً حَنِيفَةُ سُوقَةً، | وَلَوْ جَهِدوا، إلاّ حَنيفَةُ أطْيَبُ |
وكانَتْ إذا خافَتْ تَضَايُق مُقْدَمٍ، | تَمُدّ بأيديها السّيُوفَ فَتَضْرِبُ |
إذا مَنَعُوا لمْ يُرْج شيءٌ وَرَاءهُمْ، | وَإنْ لَقِحتْ حرْبٌ يجيئوا فَيرْكبوا |
إلَيْهِمْ رَأتْ ذاكُمْ مَعَدٌّ وَغَيرُهَا | يُحِلّ اليَتَامَى وَالصّعِيبُ المُعَصَّبُ |
تَحُلّ بُيُوتُ المُعْتَفِينَ إلَيْهِمُ، | إذا كانَ عامٌ خادعُ النَّوْء مُجْدِبُ |
وَقعْتُمْ بصُفْرِيّ الخَضَارِمِ وَقْعَةً، | فَجَلّلْتُمُوها عارَها لَيسَ يَذهَبُ |
وَلَمّا رَأوْا بِالأبْرَقَيْنِ كَتِيبَةً | مُلَملَمةً تَحمي الذّمارَ وَتَغضَبُ |
دَعَا كُلُّ مَنحوبٍ حَنيفةَ فالتَقَتْ | عَجاجَةُ مَوْتٍ وَالدّماءُ تَصَبّبُ |
وَجَاؤوا بِوِرْدٍ مِنْ حَنيفَةَ صَادِقٍ | تُطاعِنُ عَنْ أحسابِها وَتُذَبِّبُ |
مَصَاليتُ نَزّالُونَ في حَوْمَةِ الوَغَى، | تَخُوضُ المَنايا والرّمَاحُ تُخَضَّبُ |
ورائمةٍ وَلّهْتُمُوها، وَفَاقِدٍ | تَرَكْتُمْ لهَا شَجواً تُرِنّ وَتَنحَبُ |
وَقدْ عَصَبَتْ أهل الشّوَاجنِ خيلُهم؛ | وَقَدْ سَارَ مِنهَا بِالمَجازَةِ مِقْنَبُ |
إذا ورَدُوا المَاءَ الرَّوَاءَ تَظَامَأتْ | أوَائِلُهُمْ أوْ يَحْفِرُوا ثُمّ يشربَوا |
تَفارَطُ هَمْدَانَ الجِبَالَ وَغافِقاً، | وَزُهدَ بَني نَهدٍ فتُسمى وَتَحرُبُ |
تَوَثَّبُ بالفُرْسَانِ خُوصاً كَأنّهَا | سَعَالٍ طَوَاهَا غَزْوُهم فهيَ شُزَّبُ |
وَهُمْ من بَعيدٍ في الحُرُوبِ تَناوَلُوا | عِياذاً وعَبَدَ الله وَالخَيْلُ تُجذَبُ |
بذي الغافِ من وَادي عُمانَ فأصْبحتْ | دِماؤهُمُ يُجْرَى بها حيثُ تَشخَبُ |
أذاقُوهُمُ طَعْمَ المَنَايَا، فَعَجَّلوا، | وَمن يَلقَهم في عَرْصة الموْتِ يُشجُبوا |
شَفَوْا مِنهما ما في النفوسِ وَشَذّبُوا | بِوَقْعِ العَوَالي كُلَّ مَنْ يَتَكَتّبُ |
وَأضْحَى سَعيدٌ في الحَديدِ مُكَبَّلاً، | يُعَاني، وَأحْيَاناً يُقَادُ فَيَصْحبُ |
رَأى قَوْمَهُ إذْ كانَ غَدْواً جِلادُهمْ | مَعَ الصّبحِ حتى كادتِ الشمسُ تغرُبُ |
فَما أُعطيَ المَاعُونُ حتى تَحاسَرَتْ | عَليهِمْ جُموعٌ من حَنيفَةَ لُجَّبُ |
وَحَتى عَلَوْهُمْ بِالسّيُوفِ كَأنّهَا | مَصَابِيحُ تَعْلُو مَرّةً وَتَصَبَّبُ |
فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ كَانَ أكْثَرَ عَوْلَةً، | وَأيْتَم للوِلْدانِ مِنْ يَوْمِ عُوتِبُوا |
وَمَنْ يَصْطَلي في الحَرْبِ ناراً تحُشّها | حَنيفَةُ يَشقى في الحرُوبِ وَيُغْلَبُ |
وَمَا زَالَ دَرْءٌ مِنْ حَنِيفَةَ يُتّقَى؛ | ومَا زَالَ قَرْمٌ من حَنيفَةَ مُصْعَبُ |
لَهُ بَسْطَةٌ لا يَملِكُ النّاسُ رَدَّها، | يَدينُ لَهُ أهْلُ البلادِ وَيُحْجَبُوا |
تَرَى للوُفُودِ عَسْكَراً عِنْدَ بَابِهِ، | إذا غابَ مِنهُمْ مَوْكِبٌ جاء موكِبُ |