تضاحكت أن رأت شيبا تفرعني
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
تَضَاحَكَتْ أنْ رَأتْ شَيباً تَفَرّعَني، | كأنّها أبصَرَتْ بَعَضَ الأعاجيبِ |
مِنْ نِسْوَةٍ لبَني لَيْثٍ وَجيرَتِهمْ، | بَرّحنَ بالعينِ من حُسنٍ وَمن طيبِ |
فَقُلْتُ إنّ الحَوَارِيّاتِ مَعْطَبَةٌ، | إذا تَفَتّلْنَ مِنْ تَحْتِ الجلابيبِ |
يَدْنُونَ بالقَوْلِ، والأْحشَاءُ نَائِيَةٌ، | كدأبِ ذي الصَّعنِ من نأيٍ وَتقرِيبِ |
وَبالأمانيّ، حَتى يَخْتَلِبْنَ بِهَا | مَن كانَ يُحسَبُ منّا غيرَ مَخلوبِ |
يأبَى، إذا قلتُ أنسَى ذِكرَ غانِيَةٍ، | قلَبٌ يَحِنّ إلى البِيضِ الرّعابيبِ |
أنْتِ الهَوَى، لَوْ تُوَاتِينا زِيَارَتُكُمْ، | أوْ كانَ وَلْيُكِ عَنّا غَيرَ محْجُوبِ |
يا أيّها الرّاكِبُ المُزْجي مَطِيّتَهُ، | يُرِيدُ مَجْمَعَ حاجاتِ الأرَاكِيبِ |
إذا أتَيْتَ أميرَ المُؤمِنينَ فَقُلْ، | بالنّصْحِ وَالعِلْمِ، قَوْلاً غيرَ مكذوبِ |
أمّا العِرَاقُ فَقَدْ أعطَتكَ طاعَتَها، | وَعَادَ يَعْمُرُ مِنْهَا كُلُّ تَخْرِيبِ |
أرْضٌ رَمَيْتَ إلَيها، وَهْيَ فاسِدَةٌ، | بِصَارِمٍ مِنْ سُيُوفِ الله مَشْبُوبِ |
لا يَغْمِدُ السّيفْ إلاّ مَا يُجَرِّدُهُ | على قَفَا مُحْرِمٍ بِالسّوقِ مَصْلوبِ |
مُجَاهِدٍ لِعُداةِ الله، مُحْتَسِبٍ | جِهادَهُمْ بِضِرَابٍ، غَيرَ تَذْبيبِ |
إذا الحْرُوبُ بَدَتْ أنيابُهَا خَرَجَتْ | ساقَا شِهابٍ، على الأعداء، مَصْبوبِ |
فالأرْضُ لله وَلاّهَا خِلِيفَتَهُ، | وَصَاحِبُ الله فِيهَا غَيرُ مَغْلُوبِ |
بَعْدَ الفَسَادِ الّذي قَد كانَ قامَ بهِ | كَذّابُ مكّةَ من مَكْرٍ وَتَخرِيبِ |
رَامُوا الخِلافَةَ في غَدْرٍ، فأخطأهُم | مِنْهَا صُدُورٌ، وَفَازُوا بالعَرَاقِيبِ |
كانوا كسالِئَةٍ حَمقاءَ إذْ حَقَنَتْ | سِلاءَهَا في أديمٍ غَيرِ مَرْبُوبِ |
والنّاسُ في فِتنَةٍ عَمياءَ قد تَركَتْ | أشرَافَهُمْ بَينَ مَقْتُولٍ ومحرُوبِ |
دَعَوْا لِيَسْتخْلفَ الرّحمنُ خيرَهُم، | والله يَسْمَعُ دَعَوى كُلّ مكْرُوبِ |
فَانقَضّ مِثْلَ عَتِيقِ الطّيرِ تَتْبَعُهُ | مَساعِرُ الحَرْبِ مِنْ مُرْدٍ وَمن شيبِ |
لا يَعْلِفُ الخَيْلَ مَشدوداً رَحائِلُها | في مَنْزلٍ بِنَهَارٍ غَيرَ تَأوِيبِ |
تَغْدُو الجِيادُ وَيَغدو وَهوَ في قَتَمٍ | مِنْ وَقْعِ مُنَعَلَةٍ تُزْجى وَمجْنوبِ |
قِيدَتْ لَهُ من قُصُورِ الشّامِ ضُمّرُها | يَطلُبْنَ شَرْقيَّ أرْضٍ بَعْدَ تَغرِيبِ |
حتى أناخَ مَكانَ الضّيْف مُغْتَصِباً | في مُكْفَهرَّينِ مِثْلَيْ حرّةِ اللُّوبِ |
وَقد رَأى مُصْعَبٌ في ساطِعٍ سَبِطٍ | مِنْهَا سَوَابِقَ غارَاتٍ أطانِيبِ |
يَوْمَ تَرَكْنَ لإبْرَاهِيمَ عَافِيَةً | مِنَ النّسُورِ وُقُوعاً وَاليَعَاقِيبِ |
كَأنّ طَيراً مِنَ الرّايَاتِ فَوْقَهُمُ | في قَاتِمٍ، لَيْطُها حُمرُ الأنابيبِ |
أشْطانَ مَوْتٍ تَرَاها كُلّما وَرَدَتْ | حُمراً إذا رُفِعَتْ من بَعدِ تَصْوِيبِ |
يَتْبَعْنَ مَنصُورَةً تَرْوى إذا لَقِيَتْ | بقانىءٍ من دَمِ الأجوَافِ مَغصُوبِ |
فَأصْبَحَ الله وَلّى الأمْرَ خَيرَهُمُ، | بَعدَ اختِلافٍ وَصَدعٍ غَيرِ مَشعوبِ |
تُرَاثَ عُثمانَ كانوا الأوْلِيَاءَ لَهُ، | سِرْبالَ مُلْكٍ عَلَيْهِمْ غيرَ مسلوبِ |
يَحْمي، إذا لَبِسوا، الماذِيُّ مُلكَهُمُ، | مِثْلَ القُرُومِ تَسَامَى للمَصَاعيبِ |
قَوْمٌ أبُوهُمْ أبُو العاصي أجادَ بهمْ، | قَرْمٌ نَجِيبٌ لِحُرّابٍ مَناجِيبِ |
قَوْمٌ أُثِيبُوا على الإحسانِ إذْ مَلكوا، | وَمِنْ يَدِ الله يُرْجى كُلُّ تَثْوِيبِ |
فَلَوْ رَأيْتَ إلى قَوْمي إذا انْفَرَجَتْ | عن سابِقٍ وَهوَ يجرِي غيرِ مَسبوبِ |
أغَرَّ يُعْرَفُ دُونَ الخَيْلِ مُشتَرِفاً، | كالغَيْثِ يَحفِشُ أطْرَافَ الشآبيبِ |
كادَ الفُؤادُ تَطِيرُ الطّائِرَاتُ بهِ | مِنَ المَخافَةِ، إذْ قال ابنُ أيّوبِ |
في الدّار: إنّكَ إن تُحدثْ فقد وَجَبتْ | فيكَ العُقُوبَةُ مِنْ قَطْعٍ وَتَعذيبِ |
في مَحْبَسٍ يَتَرَدّى فيه ذو رِيَبٍ، | يُخشَى عَليّ، شديدِ الهَوْلِ مَرْهوبِ |
فقُلتُ: هل يَنفَعَنّي إن حضرْتُكُمْ | بِطاعَةٍ وَفُؤادٍ مِنك مَرْعُوبِ |
ما تَنْهَ عَنه، فإنّي لَسْتُ قارِبَهُ، | وَما نَهَى منْ حَلِيمٍ مِثْلُ تَجْرِيبِ |
وَما يَفُوتُكَ شَيْءٌ أنْتَ طالِبُهُ، | وَما مَنَعْتَ فَشَيءٌ غَيرُ مَقْرُوبِ |