عذيري من صرف الليالي الغوادر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عَذيرِيَ مِنْ صَرْفِ اللّيالي الغَوَادِرِ، | وَوَقْعِ رَزَايَا كالسّيُوفِ البَوَاتِرِ |
وَسَيْرِ النّدَى، إذْ بَانَ مِنّا مُوَدِّعاً، | فَلاَ يَبْعَدَنْ مِنْ مُستَقِلٍّ، وَسائِرِ |
أجِدَّكَ ما تَنْفَكُّ تشكُو قَضِيّةً، | تُرَدُّ إلى حُكْمٍ، من الدّهْرِ، جائرِ |
يَنَالُ الفَتَى مَا لَمْ يُؤمِّلْ، وَرُبّما | أتاحَتْ لَهُ الأقْدَارُ ما لَمْ يُحَاذِرِ |
عَلى أنّهُ لا مُرْتَجًى كَمُحَمّدٍ، | وَلاَ سَلَفٌ، في الذّاِهبِينَ، كطاهِرِ |
سَحَابَا عَطاءٍ مِنْ مُقيمٍ وَمُقْلِعٍ، | وَنَجْمَا ضِيَاءٍ مِنْ مُنِيفٍ وَغَائِرِ |
فَلِلّهِ قَبْرٌ في خُرَاسَانَ أدْرَكَتْ | نَوَاحِيهِ أقْطَارَ العُلا والمآثِرِ |
تُطَارُ عَرَاقِيبُ الجِيَادِ إزَاءَهُ، | وَيُسْقَى صُباباتِ الدّماءِ المَوَائِرِ |
مُقيمٌ بأدْنَى أبْرَشَهْرَ، وَطَوْلُهُ | عَلَى قَصْوِ آفَاقِ البِلادِ الظّوَاهِرِ |
جَرَى دونَهُ العَصرَانِ تسفي تُرابَها، | عليه أعَاصِيرُ الرِّيَاحِ الخواطِرِ |
سقى جَودُه جَودَ الغمامِ ومن رأى | حَيا ماطرا تَسقيهِ ديمَةُ ماطِرِ |
صوائب مزن تغتدي من شبائه | لأخلاقه في جودها ونظائر |
يصبن على عَهْدٍ، من الدّهْرِ، صالحٍ، | تَقَضّى، وَفَيْنَانٍ، من العَيشِ ناضرِ |
فتًى، لمْ يُغِبّ الجُودَ رِقْبَةَ عاذِلٍ، | وَلَمْ يُطفىءِ الهَيجاءَ خوْفَ الجَرائرِ |
وَلَمْ يُرَ يَوْماً قادِراً غَيرَ صافِحٍ، | وَلاَ صافِحاً عَنْ زِلّةٍ غَيرَ قادِرِ |
أحَقّاً بأنّ اللّيْثَ بَعْدَ ابْتِزَازِهِ | نُفُوسَ العِدى مِنْ شاسعٍ وَمُجاوِرِ |
مُخِلٌّ بتَصرِيفِ الأعِنّةِ، تارِكٌ | لِقَاءَ الزُّحُوفِ، واقتِيَادَ العَسَاكِرِ |
وَمُنْصَرِفٌ عَنِ المَكَارِمِ والعُلا، | وَقَدْ شَرَعتْ فوْتَ العُيونِ النّواظِرِ |
كأنْ لَمْ يُنِفْ نَجدَ المَعَالي، وَلَمْ تُغِرْ | سَرَاياهُ في أرْضِ العَدُوّ المُغاوِرِ |
وَلَمْ يَتَبَسّمْ للعَطَايا، فتَنْبَرِي | مَوَاهِبُ أمْثَالُ الغُيُوثِ البَواكِرِ |
وَلَمْ يَدّرِعْ وَشْيَ الحَديدِ، فيَلْتَقي | على شابِكِ الأنْيَابِ شَاكِي الأظافِرِ |
عَلَى مَلِكٍ ما انْفَكّ شَمسَ أسِرّةٍ، | تُعَارُ بهِ ضَوْءاً، وَبَدْرَ مَنَابِرِ |
أزَالَتْ حِجَابَ المُلْكِ عَنْهُ رَزِيئَةٌ، | تُهَجِّمُ أخْيَاسَ الأُسُودِ الخَوَادِرِ |
مُسَلَّطَةٌ لمْ يتئر لوُقُوعِها | بِساعٍ، وَلَمْ يُنْجَدْ عَلَيْها بِنَاصِرِ |
يُؤسّى الأداني عَنهُ، أن لَيسَ عندَهُمْ | نَكِيرٌ، سوَى سَكْبِ الدّموعِ البَوَادِرِ |
مُبَكًّى بشَجْوِ الأكْرَمِينَ، تَسَلّبتْ | عَلَيْهِ أعِزّاءُ المُلُوكِ الأكَابِرِ |
تَخَوّنَهُ خَطْبٌ تَخَوّنَ قَبْلَهُ | حُسَينَ النّدَى والسّؤدَدِ المُتَوَاتِرِ |
عَميدا خُرَاسَانَ انبرَى لَهُما الرّدى، | بعامِدَتَينِ مِنْ صُنُوفِ الدّوَائِرِ |
بَني مُصْعَبٍ هلْ تُقرِنُونَ لحادثِ الـ | ـنَوَائِبِ، أوْ تُغْنَوْنَ حَتفَ المَقَادِرِ |
وَهَلْ في تَمادي الدّمعِ رَجعٌ لذاهبٍ | إذا فاتَ، أو تَجديدُ عَهدٍ لداثِرِ |
وَهَلْ ترَكَ الدّهرُ الحسينَ بنَ مُصْعَبٍ، | فيَبْقَى على الدّهْرِ الحُسينُ بنُ طاهرِ |
وَما أبْقَتِ الأيّامُ وَجْداً لِوَاجِدٍ، | كمَا أنّهَا لم تُبْقِ صَبراً لصَابِرِ |
أسًى كَثُرَتْ حتّى اطمأنّ لها الجَوَى، | وأرْزَاءُ فَجعٍ قَدْحُها في الضّمائِرِ |