متى لاح برق أو بدى طلل قفر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
متى لاح برق أو بدى طلل قفر | جرى مستهل لا بكيء ولا نزر |
وَما الشّوْقُ إلاّ لَوْعَةٌ بَعدَ لَوْعَةٍ، | وَغُزْرٌ منَ الآمَاقِ، يَتبَعُها غُزْرُ |
فَلا تَذكُرَا عَهدَ التّصابي، فإنّهُ | تَقَضّى وَلَمْ نَشعُرْ بهِ، ذلكَ العَصْرُ |
سَقَى الله عَهْداً من أُناسٍ تَصَرّمتْ | مَوَدّتُهُمْ، إلاّ التّوَهّمُ والذّكرُ |
وَفَاءٌ منَ الأيّامِ رَجْعُ حدُوجِهمْ، | كما أنّ تَشرِيدَ الزّمانِ بهمْ غَدْرُ |
هَلِ العَيْشُ إلاّ أنْ تُسَاعِفَنَا النّوَى | بوَصْلِ سُعَادٍ، أوْ يُسَاعدَنا الدّهرُ |
عَلى أنّها مَا عندها لمُوَاصِلٍ | وِصَالٌ، وَلا عَنها لمُصْطَبِرٍ صَبرُ |
إذا ما نَهَى النّاهي، فلَجّ بيَ الهَوَى، | أصاختْ إلى الوَاشِي، فلَجّ بها الهَجرُ |
تَوَهّمْتُها ألوَى بأجفانهَا الكَرَى، | كرَى النّوْمِ، أو مالتْ بأعطافها الخَمرُ |
لعَمْرُكَ ما الدّنْيا بناقصَةِ الجَدى، | إذا بَقيَ الفَتحُ بنُ خاقَانَ والقَطْرُ |
فَتىً لا يَزَالُ، الدّهرَ، حَوْلَ رِباعِهِ | أيَادٍ لَهُ بِيضٌ، وأفنيَةٌ خُضْرُ |
أضَاءَ لَنَا أُفْقَ البلادِ، وَكَشّفَتْ | مَشاهدُهُ ما لا يُكَشّفُهُ الفَجرُ |
بوَجهٍ هوَ البَدرُ المُنيرُ نَفَى الدّجَى | سَناهُ، وأخلاقٍ هيَ الأنجُمُ الزُّهْرُ |
غَمَامُ سَمَاحٍ ما يَغُبُّ لَهُ حَيَا، | وَمِسْعَرُ حَرْبٍ ما يَضِيعُ لهُ وِتْرُ |
وَحَارِسُ مُلْكٍ مَا يَزَالُ عَتَادَهُ | مُهَنَّدَةٌ بِيضٌ، وَخَطِّيّةٌ سُمْرُ |
يصُونُ بَنُو العَبّاسِ سطوَةَ بأسِهِ، | لشَغْبٍ غَدى يَعتادُ، أو حادِثٍ يَعرُو |
يَبيتُ لَهُمْ حَيثُ الأمَانَةُ والتّقَى، | وَيَغدو لَهُمْ حيثُ الكفاَيةُ والنّصرُ |
يَعُدُّ انتقاضاً أنْ تُطَاوِلَهُمْ يَدٌ، | وَيَعْتَدُّ وزْراً أنْ يَغُشّهُمُ صَدْرُ |
تَوَاضَعَ منْ مَجدٍ، فإن هوَ لم يكنْ | لَهُ الكِبْرُ في أكْفَائِهِ فَلَهُ الكُبْرُ |
وَذُو رِعَةٍ لا يَقْبَلُ الدّهرَ خِطّةً، | إذا الحمدُ لم يَدلُلْ عَلَيها وَلاَ الأجْرُ |
فِدَاكَ رِجَالٌ باعَدَ المَنْعُ رِفْدَهُمْ، | فلا الخُمسُ وِرْدٌ من نَداهمْ ولا العُشرُ |
ألامَتْ سَجَايَاهُمْ، وَضَنّتْ أكُفُّهم، | فإحسانُهُمْ سُوءٌ، وَمَعْرُوفُهُمْ نُكرُ |
يكونُ وُفُورُ العِرْضِ هَمّاً دونَهمْ | إذا كانَ هَمُّ القَوْمِ أن يَفِرَ الوَفْرُ |
وَلَوْ ضَرَبُوا في المَكْرِمَاتِ بسَهمَةٍ، | لَكَانَ لهمْ فيها اللَّفَا، ولَكَ الكَثرُ |
بَقَاءُ المَساعي أنْ تُمَدّ لكَ البقا، | وَعُمْرُ المَعَالي أنْ يَطُولَ بكَ العُمْرُ |
لقَدْ كَانَ يَوْمُ النّهرِ يَوْمَ عَظيمةٍ، | أطَلْتَ، وَنَعماءٍ جَرَى بهما النّهرُ |
أجَزْتَ عَلَيْهِ عابراً، فَتسَاجلَتْ | أواذِيهِ لَمّا أنْ طَما فَوْقَهُ البَحرُ |
وَزَالَتْ أوَاخي الجسرِ، وانهَدَمَتْ بهِ | قَوَاعِدُهُ العُظْمَى، وَمَا ظَلَمَ الجسرُ |
تَحَمّلَ حِلْماً مثلَ قُدْسٍ، وَهمّةً | كَرَضْوَى، وَقَدْراً لَيسَ يَعدِلُه قدرُ |
ولَوْلا دِفاعُ الله عَنْكَ وَمنّةٌ | عَلَيك، وَفَضْلٌ من مَوَاهِبِهِ غَمْرُ |
لأظلَمَتِ الدّنيا، ولانقَضّ حُسنُها، | وَلا نحَتّ من أفنانَها الوَرَقُ الخُضْرُ |
وَلَمّا رأيْتَ الخَطْبَ ضَنْكاً سَبِيلُهُ، | وَقد عَظُمَ المَكرُوهُ واستُفْظِعَ الأمرُ |
صرَمتَ فلَمْ تَقعُدْ بحَزْمِكَ حيرَةُ الـ | ـمَرُوعِ، وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهبَك الذّعرُ |
وَماَ كَانَ ذاكَ الهَوْلُ إلاّ غَيَابَةً، | بَدا طالعاً منْ تَحْتِ ظُلمَتها البَدْرُ |
فإنْ نَنْسَ نُعْمَى الله فيكَ فحَظَّنا | أضَعْنا، وإنْ نَشكُرْ فقد وَجَب الشكرُ |
أرَاكَ بعَينِ المُكتَسي وَرَقَ الغنى، | بآلائكَ اللاّتي يُعَدّدُها الشّعرُ |
وَيُعجبُني فَقرِي إلَيكَ، وَلم يَكُنْ | ليُعجبَني، لَوْلا مَحَبّتُكَ، الفَقْرُ |
وَوَالله لا ضَاعَتْ أيَادٍ أتَيْتَهَا | إليّ، وَلا أزْرَى بمَعْرُوفها الكُفْرُ |
وَمَا لِيَ عُذْرٌ في جُحُودِكَ نعْمَةً، | وَلَوْ كَانَ لي عُذْرٌ لَمَا حسُنَ العُذْرُ |