مثالك من طيف الخيال المعاود
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مِثَالُكَ مِنْ طَيْفِ الخَيَالِ المُعَاوِدِ، | ألَمّ بِنَا مِنْ أُفْقِهِ المُتَبَاعِدِ |
يُحَيّي هُجُوداً مُنْتَشِينَ مِنَ الكَرَى، | وَمَا نَفْعُ إهْدَاءِ السّلاَمِ لِهَاجِدِ |
إذا هيَ مالَتْ للعِنَاقِ تَعَطّفَتْ، | تَعَطُّفَ أُمْلُودٍ، منَ البَانِ، مائدِ |
إذا وَصَلَتْنَا لمْ تَصِلْ عَنْ تَعَمّدٍ، | وإنْ هَجَرَتْ أبدَتْ لَنَا هَجرَ عامِدِ |
تُقَلّبُ قَلْباً مَا يَلينُ إلى الصّبَا، | وَمَنْزُورَ دَمعٍ عن جَوَى الحبّ جامد |
تَمَادَى بها وَجدي، وَمُلّكَ وَصْلَهَا | خَليُّ الحَشَا، في وَصْلِها جِدّ زَاهِدِ |
وَمَا النّاسُ إلاّ وَاجِدٌ غَيرُ مالِكٍ | لِمَا يَبتَغي، أوْ مَالِكٌ غَيرُ وَاجِدِ |
سَقَى الغَيثُ أكنافَ الحِمَى مِنْ مَحَلّةٍ | إلى الحِقْفِ من رَملِ اللوى المُتَقاوِدِ |
وَلاَ زَالَ مُخْضَرٌّ منَ الرّوْضِ يَانِع | عَلَيهِ، بمُحْمَرٍّ من النَّورِ جاسِدِ |
يُذَكّرُنَا رَيّا الأحِبّةِ، كُلّمَا | تَنَفّسَ في جُنْحٍ مِنَ اللّيلِ بَارِدِ |
شَقَائِقُ يَحمِلْنَ النّدَى، فكأنّهُ | دُمُوعُ التّصَابي مِنْ خُدودِ الخَرَائِدِ |
وَمِنْ لُؤلُؤٍ في الأُمحُوَانِ مُنَظَّمٍ، | عَلى نُكَتٍ مُصْفَرّةٍ، كالفَرَائِدِ |
كأنّ جَنى الحَوْذانِ، في رَوْنَقِ الضّحَى، | دَنانيرُ تبرٍ مِنْ تُؤَامٍ وَفَارِدِ |
رِبَاعٌ تَرَدّتْ بالرِّيَاضِ، مَجُودَةٌ | بكُلّ جَديدِ الماءِ عَذبِ المَوَارِدِ |
إذا رَاوَحَتْهَا مُزْنَةٌ بَكَرَتْ لَهَا | شآبيبُ مُجْتَازٍ عَلَيْهَا، وَقَاصِدِ |
كأنّ يَدَ الفَتحِ بنِ خَاقَانَ أقْبَلَتْ | تَليهَا بتِلْكَ البَارِقَاتِ الرّوَاعِدِ |
مَلِيّاً، إذا ما كانَ بادىءَ نِعْمَةٍ، | بكَرّ العَطَايَا البَادئَاتِ العَوَائِدِ |
رَأيتُ النّدَى أمْسَى شقيقاً مُنَاسِباً | لأخْلاَقِهِ، دونَ الحَليفِ المُعَاقِدِ |
تَلَفّتَ فَوْقَ القَائِمِينَ، فَطَالَهُمْ، | تَشَوُّفَ بَسّامٍ إلى الوَفْدِ قاعِدِ |
جَهيرُ الخِطَابٍ يَخْفِضُ القَوْمُ عنده | مَعَارِيضَ قَوْلٍ كالرّياحِ الرّوَاكِدِ |
يَخُضُونَ بالتّبجِيلِ أطْوَلَهُم يَداً، | وأظْهَرَهُمْ أكْرُومَةً في المَشاهِدِ |
وَلَمْ أرَ أمثَالَ الرّجَالِ تَفاوَتَتْ | إلى الفَضْلِ حتّى عُدّ ألْفٌ بوَاحِدِ |
وَلاَ عَيبَ في أخْلاقِهِ، غَيرَ أنّهُ | غَرِيبُ الإسَى فيها قَلِيلُ المُسَاعِدِ |
مَكَارِمُ هُنّ الغَيْظُ بَاتَ غَليلُهُ | يُضَرَّمُ في صَدْرِ الحَسُودِ المُكايِدِ |
وَلَنْ تَستَبِينَ الدّهْرَ مَوْضِعَ نِعْمَةٍ، | إذا أنتَ لمْ تُدْلَلْ عَلَيها بحاسِدِ |
كَفَى رأيُهُ الجُلّى، وَألقى سَمَاحُهُ | نَفَاقاً على عِلْقٍ مِنَ الشِّعْرِ كاسِدِ |
وإنّ مَقَامِي، حَيثُ خَيّمتُ، مِحنةٌ، | تُخَبّرُ عَنْ فَهْمِ الكِرَامِ الأجاوِدِ |
وكاْئِنْ لهُ في ساحَتي منْ صَنِيعَةٍ، | قَطَعْتُ لَهَا عُقْلَ القَوَافي الشّوَارِدِ |
وإنّي لَمَحْقُوقٌ ألا يَطُولَنِي | نَداهُ، إذا طَاوَلْتُهُ بالقَصَائِدِ |
يَحُكْنَ لَهُ حَوْكَ البُرُودِ لزِينَةٍ، | وَيَنْظِمْنَ عَنْ جَدوَاهُ نَظمَ القَلائِدِ |
وَحَسْبُ أخي النُّعمى جَزَاءً إذا امتطى | سَوَائِرَ مِنْ شِعْرٍ على الدّهرِ خالِدِ |
مَلَكْتُ بهِ وِدّ العِدى، وَأجَدّ لي | أوَاصِرَ قُرْبَى في الرّجَالِ الأباعِدِ |
جَمَالُ اللّيَالي في بَقَائِكَ، فَليَدُمْ | بَقاؤكَ في عُمْرٍ عَلَيْهِنّ زَائِدِ |
وَمُلّيتَ عَيْشاً مِن أبي الفَتحِ، إنّهُ | سَليلُ العُلا، وَالسّؤدَدِ المُتَرَافِدِ |
مَتى مَا يَشِدْ مَجداً يَشِدْهُ بهِمّةٍ | تَقَيّلَ فيها ماجِداً بَعْدَ مَاجِدِ |
وإنْ يَطّلِبْ مَسْعَاةَ مَجدٍ بَعيدَةً، | يَنَلْهَا بِجَدٍّ أرْيَحيٍّ وَوَالِدِ |
كَما مُدّتِ الكَفُّ المُضَافُ بَنانُها | إلى عَضُدٍ، في المَكْرُمَاتِ، وَسَاعِدِ |
يَسُرّكَ في هَدْيٍ إلى الرّشدِ ذاهِبٍ، | وَيُرْضِيكَ في هَمٍّ إلى المَجْدِ صاعِدِ |
لَهُ حَرَكَاتٌ مُوجِبَاتٌ بِأنّهُ | سَيَعْلُو، علو البدر بين الفراقد |
مَوَاعِدُ لِلأيّامِ فيهِ، وَرَغْبَتِي | إلى الله في إنجازِ تِلْكَ المَوَاعِدِ |
أأجْحَدُكَ النَّعْمَاءَ، وهيَ جَليلَةٌ، | وَمَا أنَا للبِرّ الخَفيّ بِجَاحِدِ |
مَتَى ما أُسَيِّرْ في البِلادِ ركَائبي، | أجِدْ سائقي يَهْوِي إلَيكَ، وَقَائِدِي |
وأكرَمُ ذُخْرِي حُسْنُ رَأيِكَ، إنّهُ | طَرِيفي الذي آوِي إلَيهِ، وَتَالِدِي |