مَن ذا يؤمِّلُ بعدَك الأيّاما
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَن ذا يؤمِّلُ بعدَك الأيّاما | ويروم فى الدّنيا الغداة مراما |
خلطتْ مصيبتُك الولاة َ ونظَّرَتْ | بين الرّجال وسوّتِ الأقداما |
فاليومَ لا حرمٌ يصان ولا شباً | يُخشَى ولا عِزٌّ عليه يُحامَى |
الملكُ زالَ دعامُهُ وقدِ التوى | والجيشُ ضلَّ دليلُهُ فأقاما |
والرّأيُ مشتَرَكٌ بأيدي مَعشرٍ | لا يحسنون النّقضَ والإبراما |
كانت حياتُك للزَّمانِ حياتَه | وغدا زمانُك للزَّمان حِماما |
فبكاؤنا حلٌّ عليك وطالما | كان البكاءُ على سِواكَ حَراما |
ماذا الذى صنع الحمام فإنّه | ما جبَّ إلاّ ذروة ً وسناما |
وهَوى إلى مَطْوَى الشّجاعِ فحازَهُ | واستلَّ من أخياسه الضّرغاما |
ما ضرَّه لو كانَ قدَّمَ غيرَهُ؟ | لكنَّه يتخيَّرُ الأقواما |
ومعوَّدٍ جَذْبَ الأزمَّة ِ في الوَرى | جذب الرّدى منه إليه زماما |
بلغَ المُنى ويزلُّ مَن بلغَ المُنَى | وكما اعتبرتَ النَّقصَ كان تماما |
يجني الحِمامُ ونحنُ نُلحي غيرَهُ | " فاذهبْ " حمامُ فقد كفيتَ ملاما |
تعدو على من شئتَ غيرَ " مدافعٍ " | تلجُ البيوت وتدخل " الآطاما " |
قُلْ للذين بنَوْا عليهِ ضَريحَهُ | وطووا عليه صفائحاً وسلاما |
لم تدفنوه وإنّما واريتمُ | فى التّربِ منه يذبلاً وشماما |
وكأنّما الجدثُ الذى وسّدته | جَفْنٌ تناولَ من يديَّ حُساما |
أرجُ الجوانبِ لم أُصِبْهُ بمنْدَلٍ | لدنٍ ولم أشننْ عليه مداما |
ما زالَ والأوتارُ تحقرُ غيظَه | يضوى الحقودَ ويسمنُ الأحلاما |
وتراه يدّخر المكارمَ والعلا | وسواه يذخر عسجداً أوساما |
إنّ الجيوش بلا عميدٍ بعده | فَوْضَى كسِيدِ الدَّوِّ راعَ سَواما |
يغضون من غير العوارِ عيونهمْ | جزعاً له ويطأطئون الهاما |
فضعوا السُّيوفَ عن الكواهل خُشَّعاً | فحسامُكمْ قد شامَهُ مَن شاما |
وإذا أرادكُمُ العدوُّ فأَحجِموا | ذهب الذى يعطيكمُ الإقداما |
وإذا عقرتمْ فالجيادُ فلا فتًى | يَبغيكُمُ الإسراجَ والإلجاما |
كُبُّوا الجِفانَ فليسَ تُملأُ بعَدهُ | للنّازلين من الضّيوفِ طعاما |
وتعوَّضوا عنه القُطوبَ فلن تَرَوْا | من بعدهِ مُتبلِّجاً بَسّاما |
والثّغرَ خافوه فقد أخذ الرّدى | مَن كان للثَّغرِ المخوفِ كِعاما |
وانسوا نظامَ الأمر بعد وفاته | بَطَلَ النِّظامُ فما نُحسُّ نِظاما |
قد بصَّرَتْنا الحادثاتُ وأيقظتْ | منّا العقولَ وإنّما نتعامى |
وأرتْ مصارعنا مصارعُ غيرنا | لكننّا نتقوّتُ الأوهاما |
يُفني البنينَ اليومَ مَن أفنَى لهمْ | من قبله الآباءَ والأعماما |
أينَ الَّذينَ على التِّلاعِ قصورُهمْ | قطعوا السِّنينَ وصرَّموا الأعواما؟ |
من كلّ معتصبِ المفارقِ لم يزلْ | تعنو لهُ قِممُ الرِّجالِ غُلاما |
ومحكَّمين على النُّفوسِ كرامة ً | حكم الزّمانُ عليهمُ فألاما |
لمّا بَنَوْا خُططَ العَلاءِ وشيَّدوا | قعد الرّدى فيما ابتنوهُ وقاما |
سكنوا الوهادَ من القبور كأنّهمْ | لم يسكنوا الأطوادَ والأعلاما |
أأبا عليٍّ دعوة ً مردودة ً | هيهات يسمعك الأنيس كلاما |
مالي أراكَ حللتَ دارَ إقامة ٍ | من حيث لا تهوى الرّجالُ مقاما ؟ |
هبَّ النِّيامُ وفارقوا سِنَة َ الكَرَى | وأراك مُلْقى ً لا تهبُّ مَناما |
شِبْهَ السّقيمِ وليتَ ما بكَ من ردى ً | نزلتْ بهِ الأقدارُ كانَ سَقاما |
جادتْك كلُّ سَحابة ٍ هطّالة ٍ | وحدا الغمامُ إلى ثراك غماما |
وعداكَ ما كان الجَهامُ فلم تكنْ | " لمريغِ " ما تحوى يداك جهاما |
وعليك من ماضٍ مودّعٍ | ويقلّ إهدائى إليك سلاما |