أتمضي كذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أتمضي كذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ | وتذهب عنّا بالذُّرى والغواربِ |
وتُستلَبُ الآسادُ وهْيَ مُلِظَّة ٌ | بأخياسِهِنَّ من أعزّ المسالبِ |
وتُؤخذ منّا من وراء سُجوفنا | بلا رأيِ بوّابٍ ولا إذْنِ حاجِبِ |
وتُقنص فينا روحُ كلِّ محاربٍ | أبيٍ جرئٍ وهو غير محاربِ |
أيا صاحبي إنْ كنتَ في إثرِ من مضى | على مثل حلاتي فإنّك صاحبي |
دعِ الفكرَ إلاّ في الحِمامِ ولا تُقِمْ | مع الحرصِ في دار الظّنونِ الكواذبِ |
وإنْ كنتَ يوماً بالحديثِ مُعلِّلاً | لسمعي فَحَدِّثْني حديثَ النّوائِبِ |
فلي شُغُلٌ عمَّنْ أقامَ بمنْ مَضَى | وعن مُعجباتٍ رُقْنَنا بالعجائبِ |
وناعٍ لسيف الدّين أضرم قولُه | ولم يدنْ ما بين الحشا والتّرائبِ |
وجاءَ بصدقٍ غيرَ أنّي إخالُهُ | خِداعاً لنفسي، إنّه قولُ كاذبِ |
فأثْكَلني طيبَ الحياة ِ وضمّني | إلى جانبِ الأحزانِ من كلِّ جانِبِ |
فيالك من رُزءِ أزارَني الأسى | وعرّف ما بيني وبين المصائبِ |
ولولاه لم أغضِ الجفونَ على قذى ً | ولا لانَ للوجدِ المبرِّحِ جانبي |
أساقُ إلى الأحزانِ من كلِّ وِجْهة ٍ | كأنّي ذلولٌ في أكفّ الجواذبِ |
فلا مَطعمٌ فينا يطيب لطاعمٍ: | ولا مشربٌ منّا يَلَذُّ لشاربِ |
وقلْ لطِوال الخَطِّ يُركَزْن فالذي: | سَقَتْكُنَّ يمناهُ مضى غيرَ آئبِ |
وقلْ لجيادِ القُودِ لستنّ بعد ما | تولّى جديراتٍ بركبة ِ راكبِ |
وقُل للمغيرين الذينَ تعوَّدوا | زِحامَ العوالي في صدورِ الكتائبِ: |
دعوا ما ألِفْتُمْ من قراعٍ فقد مضى | بحكمِ الرَّدى منكم قريعُ المقانِبِ |
وقل للسَّراة النازعين إلى الغِنى | فهمْ أبداً ما بين سارٍ وساربِ |
أقيموا فلا نارٌ تَوَقَّدُ للقِرى | ولا راحة ٌ مفجورة ٌ بالمواهبِ |
فتًى أوحشَتْ منه المكارمُ والعُلا | وإن أقاموا لم ينظروا في العواقبِ |
وكم لك من يومٍ لدغت كُماتَه | بشوك العوالي لا بشوك العقاربِ |
وحيٍّ خبطتَ الليلَ حتى ملكتَهُ | على آلفاتٍ للصّعابِ شَوازبِ |
تراهُنّ يقضُمنَ الشّكيمَ كأنّما | لَبِسنَ بنسجِ الطَّعنِ حُمْرَ الجلابِبِ |
وحولك طلاّعون كلَّ ثنيّة ٍ | إلى المجد حلاّلون شُمَّ المراقِبِ |
إذا عزموا لم يرجعوا من عزيمة ِ | |
وفقدُ الصَّديقِ المحض صَعْبٌ فكيف بي | وفَقدي صديقًا من أجلِّ أقاربي؟ |
ويؤلمني أنّي تركتكَ مفرداً | بمَدْرَجة ٍ بينَ الصَّبا والجنائبِ |
يطاع بها أمرُ البِلى في معاشرٍ | أبَوْا أن يطيعوا غالبًا بعدَ غالبِ |
وما منهُمُ إلاّ الّذي نال رتبة ً | سَمتْ وعلتْ عن كلِّ هذي المراتِبِ |
فإنْ يُكسَفوا في غَيْهَبٍ من قبورهمْ | فقد ضوّؤا دهراً ظلام الغياهِبِ |
وإنْ قُبضتْ منهمْ أكفٌّ عنِ النّدى | فقد بُسطتْ دهرًا لهمْ بالرَّغائبِ |
وإنْ جَثَموا بالتُّربِ طوعَ حِمامِهمْ | فكم جرَّروا فينا ذيولَ المواكِبِ |
ألا سقّياني دوعَ عيني بعدَه | ولا تُسمعاني غيرَ صوتِ النّوادبِ |
سَقى اللهُ ما أَصبحتَ فيه منَ الثَّرى | زُلالَ التَّحايا عن زلالَ السّحائبِ |
ولا زال منضوحاً بعفوٍ ورحمة ٍ | ورَوْحِ الجنانِ مِن جميع الجوانِبِ |
فقد طُويَتْ منه الصفائِحُ | على سامقِ الأعراقِ ضخمِ الضَّرائبِ |