خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ | فما لكُمُ إلاّ الجَوَى والتَّلَهُّفُ |
وإنْ أنتما استوقفتما عن مسيلها | غروبَ مآقينا فما هنّ وقّفُ |
كأنَّ عيوناً كُنَّ زَوْراً عنِ البكا | غصونٌ مَطيراتٌ الذُّرا فهْيَ وُكَّفُ |
دعا العذلَ والتّعنيفَ فى الحزنوالأسى | فما هجر الحزانَ إلاّ المعنّفُ |
تقولون لي: صبراً جميلاً، وليس لي | على الصَّبرِ إلاّ حسرة ٌ وتَلَهُّفُ |
وكيفَ أُطيقُ الصَّبرَ والحزنُ كلّما | عنفتُ به يقوى على َّ وأضعفُ |
ذكرتُ بيومِ الطّفِّ أوتاد أرضهِ | تهُبُّ بهمْ للموت نكباءُ حَرْجَفُ |
كرامٌ سقوا ماءَ الخديعة ِ وارتووا | وسِيقوا إلى الموتِ الزُّؤام فأَوْجَفوا |
فكم مرهفٍ فيهمْ ألمَّ بحدّه | هنالك مسنونُ الغِرارين مُرْهَفُ |
ومُعتدلٍ مثلِ القناة ِ مُثقَّفٍ | لواه إلى الموتِ الطويلُ المثقّفُ |
قَضَوْا بعدَ أن قضُّوا مُنى ً من عدوِّهمْ | ولم ينكلوا يومَ الطِّعانِ ويَضْعُفوا |
وراحوا كما شاءتْ لهمْ أريحيّة ٌ | ودوحة ُ عزٍّ فرعها متعطّفُ |
فإنْ ترهمْ فى القاع نثراً فشملهمْ | بجنّاتِ عدنٍ جامعٌ متألّفُ |
إذا ما ثنوا تلك الوسائد ميّلاً | أديرتْ عليهمْ فى الزّجاجة ِ قرقفُ |
وأحواضهم مورودة ٌ فعدّوهم | يُحَلاَّ وأصحابُ الولاية ِ تَرْشُفُ |
فلو أنّنى شاهدتهمْ أو شهدتهمْ | هناك وأنيابُ المنيّة ِ تصرفُ |
لدافعتُ عنهمْ واهباً دونَهمْ دمي | ومن وهب النّفسَ الكريمة َ منصفُ |
ولم يكُ يخلو من ضرابى وطعنتى | حُسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مُقَصَّفُ |
فيا حاسِديهمْ فضلَهمْ وهْو باهرٌ | وكم حسدَ الأقوامَ فضلاً وأسرفوا! |
دعوا حلباتِ السّبقِ تمرح خيلها | وتَغْدوا على مضمارها تَتَغَطْرَفُ |
ولا تزحفوا زَحْفَ الكسير إلى العُلا | فلن تلحقوا وللصِّلالِ التَّزَحُّفُ |
وخلّوا التكاليفَ التي لا تُفيدُكمْ | فما يستوي طَبعٌ نَبا وتَكلُّفُ |
فقد دام إلطاطٌ بهمْ فى حقوقهمْ | وأعْوَزَ إنصافٌ وطالَ تحيُّفُ |
تناسيتُمُ ما قالَ فيهمْ نبيُّكُمْ | كأنَّ مقالاً قالَ فيهمْ مُحَرَّفُ |
فكم لرسول اللهِ فى الطّفِّ من دمٍ | يراق ومن نفسٍ تماتُ وتتلفُ |
ومن ولدٍ كالعينِ منه كرامة ً | يُقادُ بأيدي النّاكثينَ ويُعْسَفُ |
عزيزٌ عليه أنْ تُباعَ نساؤُهُ | كما بيع قطعٌ فى عكاظَ وقرطفُ |
يذدنَ عن الماءِ الرّواءِ وترتوى | من الماءِ أجمالٌ لهمْ لا تكفكفُ |
فيا لعيونٍ جائراتٍ عنِ الهدى | ويالقلوبٍ ضغنها متضعّفُ |
لكمْ أم لهمْ بيتٌ بناهُ على التُّقى | وبيتٌ له ذاك السّتارُ المُسَجَّفُ |
به كلَّ يومٍ من قرشٍ وغيرها | جهيرٌ مُلَبٍّ أو سَريعٌ مُطوِّفُ |
إذا زارَهُ يوماً دَلوحٌ بذنبِهِ | مضَى وهو عُريانُ الفِرا متكشِّفُ |
وزَمْزَمُ والرَّكبُ الذي يمسحونَهُ | وأيمانهمْ من رحمة الله تنطفُ |
ووادي مِنى ً تُهدَى إليهِ نحائرٌ | تكبُّ على الأذقانِ قسراً فتحتفُ |
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تربهُ | ومن قبلهِ يومُ الوقوفِ المعرّفُ |
وأنتمْ نصرتمْ أم همُ يومَ خبيرٍ | نبيّكمُ حيث الأسنّة ُ ترعفُ ؟ |
فررْتُمْ وما فرُّوا وحِدْتُمْ عنِ الرَّدى | وما عنهُ منهم حائدٌ مُتَحَرِّفُ |
فحصنٌ مَشيدٌ بالسُّيوفِ مهدَّمٌ | وبابٌ منيعٌ بالأنامل يقذفُ |
توقَّفتُمُ خوفَ الرَّدى عن مواقفٍ | وما فيهمُ من خيفة ٍ يتوقّفُ |
لهم دونكمْ فى يوم بدرٍ وبعدها | بيوم حُنَيْنٍ كلّما لا يُزَحْلَفُ |
فقل لبنى حربِ وإنْ كان بيننا | من النَّسَبِ الدّاني مَرائِرُ تُحْصَفُ |
أفى الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى | وأنتمْ بلا نَهجٍ إِلى الحقِّ يُعْرَفُ |
وأنّا شَبَبْنا في عِراصِ ديارِكُمْ | ضياءً وليلُ الكفر فيهنَّ مُسْدَفُ |
وأنّا رفعناكمْ فأشرفَ منكُمُ | بنا فوقَ هاماتِ الأعزَّة ِ مُشرِفُ |
وها أنتمُ ترموننا بجنادلٍ | لها سحبٌ ظلماؤها لا تكشّفُ |
لنا منكُمُ في كلِّ يومٍ وليلة ٍ | قتيلٌ صريعٌ أو شريدٌ مخوَّفُ |
فخرتُمْ بما مُلِّكتُمُوه وإِنَّكمْ | سمانٌ من الأموال إذْ نحن شسّفُ |
وما الفخر - يا منْ يجهل الفخر للفتى - | قميصٌ مُوَشَّى أو رداءٌ مُفَوَّفُ |
وما فخرنا إلاّ الذى هبطتْ به الـ | ـملائكُ أو ما قد حَوى منه مُصْحَفُ |
يقرُّ به من لا يطيق دفاعه | ويعرفُه في القوم مَن لا يَتَعرَّفُ |
ولمّا ركبنا ما رَكبنا منَ الذُّرا | وليس لكمْ فى موضع الرّدفِ مردفُ |
تيقّنتمُ أنّ بما قد حويتمُ | أحقُّ وأولى فى الأنامِ وأعرفُ |
ولكنّ أمراً حاد عنه محصّلٌ | وأهوى إليه خابطٌ متعسّفُ |
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينهِ | حُسامٌ وكم قطَّ الضَّريبة َ مُقرَفُ |
فلا تركبوا أعوادَنا؛ فركوبُهَا | لمن يركبُ اليومَ العبوسَ فيوجفُ |
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا | تميلُ بكمْ شَوقاً إلينا وترجِفُ |
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائدٍ | طواها الرجال الحازمون ولفقواو |
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجاملاً | وإمّا صديقاً دهره يتلطّفُ |
فللخيرِ إنْ آثرتمُ الخيرَ موضعٌ | وللشّرِّ إنْ أحببتمُ الشّرَّ موقفُ |
عكفنا على ما تعلمون من التّقى | وأنتمْ على ما يعلمْ اللّهُ عُكَّفُ |
لكمْ كلُّ موقوذٍ بِكظَّة ِ بَطنِهِ | وليس لنا إلاّ الهضيمُ المخفَّفُ |
إلى كمْ أداري مَن أُداري منَ العِدا | وأهدُن قوماً بالجميل وألطُفُ |
تلاعبُ بى أيدى الرّجالِ وليس لى | منَ الجورِ مُنجٍ لا ولا الظّلمِ مُنصفُ |
وحشْوُ ضلوعي كلُّ نَجلاءَ ثَرَّة ٍ | متى ألّفوها أقسمتْ لا تألّفُ |
فظاهرها بادى السّريرة ِ فاغرٌ | وباطنها خاوى الدّخيلة ِ أجوفُ |
إذا قلتُ يوماً: قد تلاءمَ جُرحُها | تحكّكُ بالأيدى على َّ وتقرفُ |
فكم ذا ألاقى منهمُ كلَّ رابحٍ | وما أنا إلاّ أعزلُ الكفِّ أكشفُ |
وكم أنا فيهمْ خاضعٌ ذو استكانة ٍ | كأنِّيَ مابين الأصحَّاءِ مُدْنَفُ |
أقادُ كأنّى بالزّمامِ مجلّبٌ | بطيءُ الخُطا عاري الأضالعِ أعجفُ |
وأَرسُفُ في قيدٍ منَ الحزمِ عُنوة ً | ومَن ذِيدَ عن بسطِ الخُطا فهو يَرسُفُ |
ويلصقُ بى من ليس يدرى كلالة ً | وأُحْسَبُ مضعوفاً وغيري المضعَّفُ |
وعُدنا بما مِنّا عيونٌ كثيرة ٌ | شُخوصٌ إلى إدراكه ليس تَطرِفُ |
وقيل لنا: حان المَدى فتوكَّفوا | فيا حُججاً للَّهِ طال التَّوَكُّفُ |
فَحاشا لنا من رِيبة ٍ بمقالكمْ | وحاشا لكمْ من أن تقولوا فتخلفوا |
ولم أخشَ إلاّ من معالجة ِ الرّدى | فأُصرَفُ عن ذاك الزَّمان وأُصدَفُ |