حُيِّيتَ يارَبْعَ اللِّوَى من مَرْبَعِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
حُيِّيتَ يارَبْعَ اللِّوَى من مَرْبَعِ | وسُقيتَ أنديَة َ الغُيوثِ الهُمَّعِ |
فلقد عهدتُكَ والزَّمانُ مُسالمٌ | فيكَ المُنى وشفاءُ داءِ المَوجَعِ |
أيّامَ إنْ يدعُ الهوَى بي أتَّبعْ | وإذا دُعيتُ إلى النُّهَى لم أَتبعِ |
إذ قامتي ممتدة وذوائبي | مُسْودَّة ٌ ومسائحي لم تَصْلَعِ |
وإذ النضارة ُ في اديمي جمة ٌ | والشيب في فودي لمّا يطلعِ |
سَقْياً له زَمَناً نَعِمتُ بظلِّهِ | لكنّه لمّا مضى لم يرجعِ |
شعرٌ شفيعي في الحسانِ سواده | حتى إذا ما اُبيض بي لم يشفعِ |
عُوِّضتُ قَسْراً من غُدافِ مفارِقي | وهي الغبينة ُ بالغرابِ الأبقعِ |
لونٌ تراهُ ناصعاً حتى إذا | خَلَفَ الشَّبابُ فليس بالمُسْتَنْصِعِ |
أحبب إليّ وقد تغشى ناظري | وسن الكرى بالطّيف يطرق مضجعي |
مازالَ يخدعُني بأسبابِ الكَرى | حتّى حسبتُ بأنه حقّاً معي |
ولقد عجبتُ على المسافة ِ بيننا | كيف اهتدى من غير هادٍ موضعي؟ |
أفضَى إلى شُعْثٍ لَقُوا هاماتِهِمْ | لماسقوا خمر الكرى بالأذرعِ |
هَجعوا قليلاً ثمّ ذَعْذَعَ نَومَهمْ | غبَّ السُّرى داعي الصباح المسمع |
من بعد أن علقَ الرُّقاد جفونهم | هَجروا الكَرى في أيِّ ساعة ِ مضجعِ |
فتبادروا بطنَ السَّفينِ وأسرعوا | زمراً كجافلة ِ القطا المتروعِ |
من كلِّ سوداءِ الأديمِ كأنَّها | شغواء تنجو في الرّياح الأربعِ |
هزَّتْ جناحَيْها على سَغَبٍ بها | وقد اهتدَتْ بعدَ الضَّلالِ المُطمِعِ |
لاتشتكي مع طول إدمان السُّرى | مسَّ اللغوب ولاكلال الظلّعِ |
رَكبوا عَميقاً قعرُهُ، متلاطماً | أمواجُهُ ذا غاربٍ مُسْتَتْلِعِ |
ينجون كلَّ قرارة ٍ لاتهتدى | أو يطلعون ثنيّة ً لم تطلعِ |
في حيثُ لا تُنجي الرِّجالَ جَلادة ٌ | ولَربَّما نجَّتْك دعوة ُ إصبعِ |
وقد عجبتُ لخابِطٍ ورقَ الغِنى | من كل ذي جشعٍ وخدٍ أضرعِ |
وكأنهم لم يعلموا أنّ الذّي | جَمعوا بمرأى للخطوبِ ومسمعِ |
والعامر الكفين من هذا الورى | لايُنْثني إلاّ بكفٍّ بَلْقَعِ |
جَمعوا لينتفعوا فلمّا أنْ دعَوْا | أموالَهُمْ حينَ الرَّدى لم تنفعِ |
واستدفعوا بالمال كلَّ مَضرَّة ٍ | حتّى أتى الأمر العزيزُ المدفعِ |
هيهاتَ أين الأوّلون وأينَ ما | شادوهُ من مَغْنى ً ومن مُتَرَبَّعِ؟ |
والراخصوت العارَ عن أثوابهم | والرافعوان النارَ للمستلمعِ |
والموسعو مُعتامِهمْ أموالَهمْ | والنازلون على الطريقِ المهيعِ |
من كل معتصب المفارق إن مشى | نَمَّتْ عليه ثيابُه بتضوُّعِ |
تَعْنو الرِّجالُ لذي التَّمائمِ منهمُ | ويسودُ طفلُهمُ ولم يَتَرَعْرَعِ |
لايجمعون المال إلا للندى | أو لاصطناع صنيعة لم تصنعِ |
وإذا وفدتَ إليهمُ عن أزْمَة ٍ | فإلى أعزِّ ندى ً وأخصبِ مَرْتَعِ |
وإلى الجفان الغرِّ في يوم القِرى | والطعن في اللبات يوم المفزعِ |
وإلى الحديث تطيب في يوم الثنّا | نَفَحاتُهُ ويضيءُ يومَ المجمعِ |
وكأنَّما فتَّحتَ منه لمبصرٍ | أنوارَ روضٍ غِبَّ غيثٍ مُقلِعِ |
سكنوا الخورنق والسّدير وحلّقوا | في رأس غُمدانَ البناءِ الأرفعِ |
وتقسَّموا من مَأْرِبٍ عَرصاتِهِ | والأبلقِ الفردِ العرين المسبع |
أخذوا إتاواتِ الملوك غُلُبَّة ً | مابين بصرى والفراتِ وينبعِ |
وأطاعَهمْ وانقاد في أيديهمُ الْـ | دانّي القريب إلى البعيد المنزعِ |
هتف الحمامُ بكل حيٍ منهمُ | فأجابَهُ مُستكرهاً كالطَّيِّعِ |
واراهُمُ في مَضجعٍ وأتاهُمُ | من مطلعٍ وسقاهمُ من مكرعِ |