نادِ امرءاً غُيِّبَ خلفَ النَّقا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
نادِ امرءاً غُيِّبَ خلفَ النَّقا | فكم فتى ً ناديتَه ما وعَى |
وقُلْ لمن ليس يرى قائلاً: | بأيِّ عهدٍ دبّ فيك البلى ؟ |
وكيف دُلّيتَ إلى حفرة ٍ | يمحوك محو الطِّرس فيها الثرى |
كذي ضَنى ً مُلقى ً، وليتَ الذي | سِيطَ به جسمُك كانَ الضَّنَى |
أرَّقَني فقدُك من راحلٍ | واستلّ من عينيَّ طعمَ الكرى |
وبِنتَ لا عن مللٍ من يدي | وغبتَ عن عينيَّ لا عن قِلى |
فكيفَ ولَّيتَ وخلَّفتني | أكرع من بعدكَ كأسَ الأسى |
كأنَّني سارٍ عل قفرة ٍ | مسلوبة ٍ أعلامُها والصّوى |
أو منخفضٍ من كلّ أزواده | يحرقه القيظ بنار الصَّدى |
وصاحبٍ لي صبَّا به | ودورُهُم في النائبات الحِمَى |
تمَّ ولما لم يجد منتهى | غافصني فيه طروقَ الرَّدى |
خُولسْتُه مُحتظِراً رابعاً | كالنَّجم ولَّى أو كغصنٍ ذَوى |
بأساً وعزاً في محلِّ السُّها | وفي فؤادي منه نارُ القِرى |
وإنْ تقلَّبتُ على مَضْجعي | كان لجنبي فيه جمرُ الغَضا |
وكان في العينين لي قرّة ً | فصار مَيْتاً لجفوني قَذَى |
قد قلتُ للمُسلين عن حزنِه | ما أنا طَوعاً لعذولٍ سَلا |
فإنْ رقا دمعي فلم يَبكِهِ | . . . فلن أُصبح فيمن بكى |
وكيفَ أسلاهُ وبي صبوة ٌ! | أم كيف أنساهُ وفيهِ الهُدى ؟ |
كان كنارٍ أُضرمت وانطفت | أو بارقٍ مالاح حتى انجلى |
أو كوكبٍ ما لحظتْ نورَهُ | في أُفقهِ العينانِ حتّى خوى |
عليك إنْ شئتَ دموعُ الحَيا | مُعرَّساً في عَرَصاتِ الخَنا |
وإنْ تَنُطْ سِوّاً إلى حفظِهِ | فهو على طولِ المدى ما فشا |
كم أخذَ الدّهر لنا صاحباً | وكم طوى في تربه ما طوى |
وكم أمالت كفُّهُ صَعْدة ً | عالية شاهقة َ المُرتَقَى |
إنْ شئت أنْ تعجب فانظر إلى | مُرتَبَعٍ بادَ ورَبْعٍ خَلا |
ونعمة ٍ سابغة ٍ قَلّصت ْ | ومنزِلٍ بعد كمالٍ غفا |
ومعشرٍ حلّوا ولم يرتضوا | |
من دونِ ما أرغمَ آنافَهم | ضربُ الوريدينِ وطعنُ الكُلَى |
أكفّهم للمجتدين الغنى | ودورُهُ في النائباتِ الحِمى |
وكم لخم من مُعجزٍ باهرٍ | أظهره للناسِ يومَ الوغى |
سِيقوا إلى الموتِ كما سُوِّقتْ | للعَقْرِ بالكُرهِ بِهامُ الفلا |
وطُوِّحوا في برزخٍ واسعٍ | بينَ هُوَى مظلمة ٍ أو كُدَى |
كأنَّهم ماقَسَّمتْ بُرهة ً | أيديهُمُ الأرزاقَ بينَ الوَرى |
ولا أقاموا العزَّ ما بينهم | بالبيضِ مَعموداً وسُمرِ القَنا |
هو الرّدى ليس له مَدفعٌ | والموتُ لا يقبلُ بذلَ الرُّشا |
وكم مضَى قبلك أغلوطة ً | بالسيّف من غفلته من فتى |
إن ساءَني الموتُ فقد سرَّني | أنَّك فارقتَ شَهيرَ الظُّبا |
تمضي إلى القوم الأُلى لم تزلْ | تجعلهم في الظلمات الهُدى |
فإنْ تَبوَّأتَ لهم مَنزلاً | فهْوَ لَدى الرَّحمان أعلى الرُّبى |
ولم يزلْ قبْرُك تُبلى بهِ | عليكَ إنْ شئت دوعُ الحَيا |
فلم يَضِرْ ، وهو ندٍ ، تُربَه | من رحمة ٍ أن لم يصبه الندى |
وإنْ تكنْ مظلمة ً حولَهُ | قبورُ أقوامٍ ففيهِ السَّنا |
وإنْ يبتْ في غيرِ ما ربوة ٍ |