معاد من الأيام تعذيبنا بها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مُعَادٌ مِنَ الأيّامِ تَعْذِيبُنَا بِهَا، | وإبْعَادُها بالإلْفِ بَعْدَ اقتِرَابِهَا |
وَمَا تُملأُ الآمَاقُ مِن فَيْضِ عَبرَةٍ، | وَلَيْسَ الهَوَى البادي لفَيضِ انسِكَابِهَا |
غَوَى رأيُ نَفْسٍ لا تَرَى أنّ وَجدَها | بتِلْكَ الغَوَاني شُقّةٌ مِنْ عَذابِهَا |
وَحَظُّكَ مِنْ لَيْلَى، وَلاَ حظَّ عندَهَا، | سوَى صَدّها من غادَةٍ، واجْتِنَابِهَا |
يُفاوِتُ مِنْ تأليفِ شَعبي وَشَعْبِهَا | تَنَاهَي شَبَابي، وابتِدَاءُ شَبَابِهَا |
عَسَى بِكَ أنْ تَدنو منَ الوَصْلِ، بعدما | تَبَاعَدْتَ مِنْ أسبابِه، وعَسَى بها |
هَيَ الشّمسُ إلاّ أنّ شَمساً تَكَشّفَتْ | لمُبْصِرِها، أوْ أنّهَا في ثِيَابِهَا |
متى تَستَزِدْ فَضْلاً منَ العُمْرِ تعترِفْ | بسَجلَيْكَ من شَهْدِ الخُطوبِ وَصَابِهَا |
تَشُذُ بِنَا الدُّنْيَا بأخْفَضِ سَعْيِها، | وَغُولُ الأفاعي بَلّةٌ مِنْ لُعَابِهَا |
يُسَرُّ بعُمْرانِ الدّيَارِ مُضَلَّلٌ، | وَعُمْرَانُهَا مُسْتَأنَفٌ من خَرَابِهَا |
وَلَمْ أرْتَضِ الدّنْيَا، أوَانَ مَجيئِها، | فكَيفَ ارْتِضَائِيهَا أوَانَ ذَهَابِهَا |
أقُولُ لمَكذوبٍ عَنِ الدّهرِ زَاغَ عَن | تَخَيُّرِ آرَاءِ الحِجَا، وانتِخابِهَا |
سَيُرْديكَ أوْ يُتويكَ أنّكَ مُخلَسٌ | إلى شُقّةٍ يُبليكَ بُعدُ مَآبِهَا |
وَهَلْ أنتَ في مَرْسُومَةٍ طَالَ أخذُها | منَ الأرضِ، إلاّ حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابِهَا |
يُدِلُّ بمِصْرٍ، والحَوَادِثُ تَهْتَدي | لمِصْرٍ، إذا ما نَقّبَتْ عَنْ جَنَابِهَا |
وَمَا أنْتَ فيها بالوَليدِ بنِ مُصْعَبٍ، | زَمَانَ يُعَنّيهِ ارتِيَاضُ صِعَابِهَا |
وَلاَ بِسِنَانِ بنِ المُشَلِّلِ، عِنْدَما | بَنَى هَرَمَيْهَا مِنْ حِجَارَةِ لابِهَا |
مُلُوكٌ تَوَلّى صَاعِدٌ إرْثَ فَخْرِها، | وَشَارَكَهَا في مُعْلِياتِ انتِسَابِهَا |
رَعَى مَجْدَها عِن أنْ يَضِيعَ سَوَامُهُ، | وَحِفْظُ عُلا المَاضِينَ مِثلُ اكْتِسَابِهَا |
أكانَتْ لأيْدي المُخْلَدِيّينَ شِرْكَةٌ | مَعَ الغَادِيَاتِ، في مَخيلّ سَحَابِهَا |
تَزِلُّ العَطَايَا عَنْ تَعَلّي أكُفّهِمْ، | زَليلَ السّيُولِ عَن تَعَلّي شِعَابِهَا |
إذا السَّنَةُ الشّهباءُ أكْدَتْ تَعَاوَرُوا | سُيُوفَ القِرَى فيهِنّ شِبعُ سِغَابِهَا |
يَمُدُّونَ أنْفَاسَ الظّلالِ عَلَيْهِمِ | بأبْنِيَةٍ تَعْلُو سُمُوكُ قِبَابِهَا |
فَكَمْ فَرّجُوا مِنْ كُرْبَةٍ، وَتَغَوّلَتْ | مَشاهِدُهُمْ مِنْ طَخْيَةٍ وَضَبَابِها |
بمَلْمُومَةٍ، تحتَ العَجاجِ، مُضِيئَةٍ، | تَحُوزُ الأعادي خَطفَةٌ مِنْ عُقابِها |
وأبْطالِ هَيْجٍ، في اصْفِرَارِ بُنُودِهَا | ضُرُوبُ المَنَايَا وابيِضَاضِ حِرَابِهَا |
تُرَشّحُهَا نَجْرَانُ في كُلّ مأزِقٍ، | كمَا رَشّحَتْ خَفّانُ آسَادَ غَابِهَا |
أرَى الكُفْرَ والإنْعَامَ قَد مَثّلا لَنَا | إبَاقَ رِجَالٍ، رِقُّه في رِقَابِهَا |
فكم آمل قد عض كفا ندامة | على العكس من آماله وانقلابها |
فأما قنعتم بالأباطيل فاربعوا | على صرها اوحادكم واختلابها |
إذا الله أعْطَاهُ اعْتِلاَءَةَ قُدْرَةٍ، | بكَتْ شَجوَهَا أوْ عُزّيَتْ عن مُصَابِهَا |
إذا مَذْحِجٌ أجرَتْ إلى نَهجِ سُؤدَدٍ، | فَهَمُّكَ مِن دأبِ المَساعي وَدابِهَا |
كَنَيْنَا وأمّرْنا، وَغُنْمُ يَدَيْكَ في | تَرَادُفِ أيّامِ العُلا، واعتِقَابِهَا |
وَمَا زَالَتِ الأذْوَاءُ فينَا، وَكَوْنُهَا | لِحَيٍّ سِوَانَا مِنْ أشَقّ اغْتِرَابِهَا |
وَجَدْنَا المُعَلّى كالمُعَلّى، وَفَوْزُهُ | بغُنْمِ القِداحِ واحتِيَازِ رِغَابِهَا |
وَفي جُودِهِ بالبَحرِ، والبَحرُ لوْ رَمَى | إلى سَاعَةٍ منْ جُودِهِ ما وَفَى بِهَا |
عَقيدُ المَعالي، ما وَنَتْ في طِلاَبِهِ | لِتَعْلَقَهُ ولاّ وَنَى في طِلاَبِهَا |
تَنَاهَى العِدى عَنهُ، وَرُبّتَ قَوْلَةٍ | أبَاهَا على البَادي حِذَارُ جَوَابِهَا |
إذا طَمِعَ السّاعُونَ أنْ يَلْحَقُوا بهِ، | تَمَهَّلَ قابَ العَينِ، أوْ فَوْتَ قابِهَا |
إذا ما تَرَاءَتْهُ العَشِيرَةُ طالِعاً | عَلَيْها، جَلَتْ طَلْمَاءَها بشِهَابِهَا |
وإنْ أنْهَضَتْهُ كافِئاً في مُلِمّةٍ | من الدّهْرِ، سلّتْ سَيفَها من قِرَابِهَا |
إذا اصْطَحَبَتْ آلاؤهُ غَطّتِ الرُّبَى، | وَحُسْنُ اللآلي زَائِدٌ في اصْطِحَابِهَا |
وَمَا حَظَرَ المَعروفَ إيصَادُ ضِيقَةٍ | من الدّهرِ، إلاّ كُنتَ فاتحَ بابِهَا |
أبَا صَالحٍ! لا زِلْتَ وَاليَ صَالِحٍ | منَ العَيْشِ، والأعداءُ تَشجى بما بِهَا |