مع الدهر ظلم ليس يقلع راتبه
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
معَ الدّهرِ ظُلمٌ ليسَ يُقلِعُ رَاتِبُهْ، | وَحُكمٌ أبتْ إلاّ اعوِجاجاً جَوانِبُهْ |
أبِيتُ، وَلَيلي في نَصِيبِينَ سَاهِرٌ، | لهمٍّ عَنَاني، في نَصِيبِينَ، ناصِبُهْ |
وَإنّ اغْتِرَابَ المَرْءِ في غَيرِ بُغيَةٍ | يُطالِبُها مِنْ حَيفِ دهرٍ يُطالِبُهْ |
فَلَيسَ بِمَعْذورٍ، إذا رُدّ سِرْبُهُ | إَلَيْهِ، بأنْ تَعْيَا عَلَيْهِ مَذاهبُهْ |
وَيُعطيهِ مَرْجُوُّ العَواقبِ، مُسرعاً | إليهِ، رُكوبَ الأمرِ تُخشَى عَوَاقِبُهْ |
وَما خِلْتُني، وَالحادِثاتُ منَ الحَصَى، | أُخَيَّبُ من مالي، وَيغنم نَاهِبُهْ |
فَلَوْ أنّهُ قِرْنٌ تَرَادَى صِفَاتُهُ، | لأحرَزْتُ حَظّي، أوْ كَفِيٌّ أُغالبُهْ |
أُرَجّى، وَما نَفْعُ الرّجاءِ، إذا التَقَتْ | مَناحِسُ أمْرٍ مُجحِفٍ، وَمَعاطِبُهْ |
وَمِمّا يُعَنّي النّفْسَ كُلَّ عَنَائِها | تَوَقّعُها الصّنْعَ البَطيءَ تَقَاربُهْ |
إذا لاقَتِ الضّرّاءَ طَالَ عَذابُها، | لمُنتْظِرِ السّرّاءِ مما تَرَاقُبُهْ |
وَما مَلِكٌ يُخشَى على كسبِ شَاعِرٍ، | بمُرْضِيَةٍ، عندَ المُلوكِ، مَكَاسِبُهْ |
لَعَلّ وَليّ العَهْدِ يَأخُذُ قَادراً | بحَقّ مُعَنّى، مُكْدِياتٍ مَطالبُهْ |
فإنّ الذي بَينَ المَدائِنِ، قَاطِعاً | إلى الصّينِ عَرْضاً، سَيْبُهُ وَمَواهِبُهْ |
فَلا أرْضَ، إلاّ ما أفاءَتْ رِمَاحُهُ، | وَلا غُنْمَ إلاّ ما أفادَتْ مَقانِبُهْ |
وَما كانَ يَدرِي صَاحبُ الزَّنْجِ أنّهُ، | إذا أبطَرَتْهُ غَفَلَةُ العَيشِ، صَاحبُهْ |
أقَامَ يُجَاثِيهِ إلى الله، حِقبَةً، | وَكُلُّ تُوافى للّقَاءِ حَلائِبُهْ |
وَكانَ صَرِيعَ الحينِ جِبْسَ مُلَعَّنٍ، | متى شاءَ يَوْماً قالَ ما شَاءِ عَائِبُهْ |
تَباعَدَ من شكلِ الأنيسِ بقَسوَةٍ، | مُوَهِّمَةٍ أنّ السّبَاعَ تُنَاسِبُهْ |
وَما كادَتِ الأيّامُ عَمْراً يريثه، | وَلا الدّهرُ يُبلي ما أجَدّتْ عَجائبُهْ |
وَلمْ أرَ كالمَلعُونِ أثرَى ذَخيرَةً، | وعأبْقَى دَماً، والحادِثاتُ تُجَاذبُهْ |
إذا قُلتُ: بِيضُ المَشرَفيّةِ أهْمَدَتْ | حْشَاشَتَهُ، كَرّتْ تَثُوبُ ثَوَائِبُهْ |
يَبُثُّ المَنَايا، وَالمَنَايا يَحزُنَهُ، | وَيكربُ منهُ الحَتفُ، وَالحتفُ كارِبُهْ |
إذا ازْدادَ شَغْباً، كانَ وَالي قِرَاعِهِ | مَلِيّاً لهُ بالفَضْلِ، حِينَ يُشاغِبُهْ |
كمَا اللّيلُ إنْ تَزْدَدْ لعَيْنِكَ ظُلمةً | حَنادِسُهُ، تَزْدَدْ ضِياءً كَوَاكِبُهْ |
يَلُوذُ بهَورِ البَحرِ، فالفَوْزُ عِندَهُ، | منَ الدّهرِ، يَوْمٌ تَستَقِلُّ جَنائبُهْ |
إذا انحازَ يَنوِي البُعْدَ حُثّتْ، وَرَاءَهُ، | عِتاقُ الشّذا بالمُرْهَفاتِ تُصَاقِبُهْ |
إذا ما تَلاقَوْا حَضرَةَ الموْتِ لمْ تَرِمْ | كَتائِبُنا، حتّى تَطيحَ كَتَائِبُهْ |
ترَى وَاشجَ الخُرْصَانِ يَهتِكُ بَينَهمْ | نُحُورَ الأسُودِ، أوْ تُرَوّى ثَعَالِبُهْ |
فإنْ لمْ تَشِفّ العَينُ للعَينِ أكْثَبَتْ | مَسَامِعَ مَدْعُوٍّ لداعٍ يُجاوِبُهْ |
تَنَزّى قُلُوبُ السّامِعِينَ، تَطَلّعاً | إلى خبَرٍ مُسْتَوْقَفَاتٍ رَكائِبُهْ |
يُغالِبُ طَعْمَ الماءِ في مُلْتَقَاهُمُ، | حَسَى الدّمِ، حتّى يَلفِظَ الماءَ شارِبُهْ |
كأن الردى يسقى المضلل صرفه | من السيف دين أرهق الوقت واجبه |
إذا أتبع الرمح المركب رأسه | عليه بلعن قلت: إن وراكبه |
ولم يلف عضو منه إلا ضريبة | لأبيض مأثور تهاب مضاربه |
وَكانَ شِفاءً صَلْبُهُ، لَوْ تألّفَتْ | لهُ جُثَةٌ يُرْضِي بها العَينَ صَالِبُهْ |
تَعَجّلَ عَنْهُ رَأسُهُ، وَتَخَلّفتْ | لِطَيّتِها أوْصَالُهُ، وَمَنَاكِبُهْ |
فأصْبَحَ مَنْصُوباً على النّاسِ يُفتَدَى | بآبَاءِ مَنْ أوفَى على الناس نَاصِبُهْ |
يُجَاهِمُ رَائيهِ بأطْرَقَ عَابِسٍ، | شَهيٍّ إلَيهِمْ سُخطُهُ وَتَغاضُبُهْ |
يُنَكِّبُ في إشْرَافِهِ، وَهُوَ آزم | أزوم الخَليعِ ازْوَرّ عَمّن يُعاتبُهْ |
فلَمْ يَبقَ في الآفاقِ خَالِعُ رِبْقَةٍ | منَ الدِّينِ، إلاّ فَادِحاتٌ مَصَائبُهْ |
جَبابرَةُ الأرْضِ استَكانَتْ لضَرْبَةٍ، | أرَتْ قيِمَ النّهْجِ الذي ذاقَ ناكِبُهْ |
وَكانَ، عَلى ثنية كُلّ إشراف، | سَنَا فِتْنَةٍ يَدْعُو إلى الغَيّ ثَاقِبُهْ |
فعَادَ بَنُو العَباسِ، عَمِّ مُحَمّدٍ، | وَشاهِدُ عِزّ النّاسِ فيهِمْ وَغائبُهْ |
يَبيتُونَ، وَالسّلطانُ شاكٍ سِلاحَهُ | بعَقْوَتِهِمْ، والمَوْتُ سُودٌ ذَوائبُهْ |
فَيَا ناصِرَ الإسْلامِ لَوْ أنّ نَاصِراً | يُرَافِدُهُ في حِفظِهِ، وَيُنَاوِبُهْ |
كَفَيْتَ أميرَ المُؤمنينَ، وَقَبلَها | كَفَيتَ أخاهُ الصّدْعَ يُعوِزُ شَاعِبُهْ |
وَما زِلْتَ منْدوباً لرَأسِ ضَلالَةٍ | تُناصِبهُ، أوْ مَنحولِ مُلْكٍ تحارِبُهْ |
أخدتَ بوِترِ الدّينِ مثنى وظَفِرَتْ | يَداكَ، فلَمْ يُفلِتْ عَدوٌّ تُطالِبُهْ |
وَقَد يُحْرَمُ المَوْتُورُ إمّا تَعزّرَتْ | عداه وأما فاتَ في الأرْضِ هارِبُهْ |
مَشارِقُ مُلْكٍ صحّ بالسّيفِ قُطرُها، | فَلَمْ يَبْقَ إلاّ أنْ تَصِحّ مَغارِبُهْ |
وَإنّ أبَا العَبّاسِ مَنْ تَمّ رَأيُهُ، | وَمَنْ شُهِرَتْ أيّامُهُ وَمَناقِبُهْ |
يُرِينَاكَ لا نَرْتَابُ فيكَ، إذا بَدَا | يُؤدّيكَ نُصْاً نَجرُهُ، وَضَرَائبُهْ |
وَقَدْ شَحَذَتْ مِنْهُ حَداثَةَ سِنّهِ | شهامة غِطرِيفٍ، حِدادِ مَخالِبُهْ |
إذا المَرْءُ لم تَبدهْكَ، بالحزْمِ كله | قَرِيحَتُهُ لَمْ تُغْنِ عَنْكَ تَجارِبُهْ |