محل على القاطول أخلق داثره
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَحَلٌّ على القَاطُولِ أخْلَقَ داثِرُهْ، | وَعادتْ صُرُوفُ الدّهرِ جَيشاً تُغاوِرُهْ |
كأنّ الصَّبا تُوفي نُذُوراً إذا انبَرَتْ | تُرَاوِحُهُ أذْيَالُهَا، وَتُبَاكِرُهْ |
وَرُبّ زَمَانٍ نَاعِمٍ ثَمّ عَهْدُهُ، | تَرِقُّ حَوَاشِيهِ، وَيُونِقُ نَاضِرُهْ |
تَغَيّرَ حُسْنُ الجَعْفَرِيّ وأُنْسُهُ، | وَقُوّضَ بَادي الجَعْفَرِيّ وَحَاضِرُهْ |
تَحَمّلْ عَنْهُ سَاكِنُوهُ، فُجَاءَةً، | فَعَادَتْ سَوَاءً دُورُهُ، وَمَقَابِرُهْ |
إذا نَحْنُ زُرْنَاهُ أجَدّ لَنَا الأسَى، | وَقَد كَانَ قَبلَ اليَوْمِ يُبهَجُ زَائِرُهْ |
وَلم أنسَ وَحشَ القصرِ، إذ رِيعَ سرْبُهُ، | وإذْ ذُعِرَتْ أطْلاَؤهُ وَجَآذِرُهْ |
وإذْ صِيحَ فيهِ بالرّحِيلِ، فهُتّكَتْ | عَلى عَجَلٍ أسْتَارُهُ وَسَتَائِرُهْ |
وَوَحْشَتُهُ، حَتّى كأنْ لَمْ يُقِمْ بِهِ | أنيسٌ، وَلمْ تَحْسُنْ لعَينٍ مَنَاظِرُهْ |
كأَن لمْ تَبِتْ فيهِ الخِلاَفَةُ طَلْقَةً | بَشَاشَتُها، والمُلكُ يُشرِقُ زَاهرُهْ |
وَلمْ تَجْمَعِ الدّنْيَا إلَيهِ بَهَاءَهَا، | وَبَهجَتَها، والعيشُ غَضٌّ مكاسرُهْ |
فأينَ الحِجابُ الصّعبُ، حَيثُ تَمَنّعَتْ | بِهَيْبَتِهَا أبْوَابُهُ، وَمَقاصِرُهْ |
وأينَ عَمِيدُ النّاسِ في كلّ نَوْبَةٍ | تَنُوبُ، وَنَاهي الدّهرِ فيهِمْ وآمرُه |
تَخَفّى لَهُ مُغْتَالُهُ، تَحتَ غِرّةٍ، | وَأوْلَى لِمَنْ يَقاتلهُ أن يُجَاهِرُهْ |
فَمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ، | وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ |
وَلاَ نَصَرَ المُعتَزَّ مَنْ كَانَ يُرْتَجَى | لَهُ، وَعَزِيزُ القَوْمِ مَنْ عَزّ ناصِرُهْ |
تَعَرّضَ ويب الدهر من دونِ فتحِهِ، | وَغُيّبَ عَنهُ في خُرَاسَانَ، طاهِرُهْ |
وَلَوْ عَاشَ مَيْتٌ، أوْ تَقَرّبَ نَازحٌ، | لَدَارَتْ مِنَ المَكْرُوهِ ثَمّ دَوَائِرُهْ |
وَلَوْ لعُبَيْدِ الله عَوْنٌ عَلَيْهِمُ، | لَضَاقَتْ عَلَى وُرّادِ أمْرٍ مَصَادِرُهْ |
حُلُومٌ أضَلّتْهَا الأمَاني، وَمُدّةٌ | تَنَاهَتْ، وَحَتفٌ أوْشَكتَهُ مَقَادِرُهْ |
وَمُغْتَصَبٍ للقَتلِ لَمْ يُخْشَ رَهْطُهُ، | وَلمْ تُحتَشَمْ أسْبَابُهُ وَأوَاصِرُهْ |
صَرِيعٌ تَقَاضَاهُ السّيُوفُ حُشَاشَةً، | يَجُودُ بها، والمَوْتُ حُمْرٌ أظافرُهْ |
أُدافعُ عَنهُ باليَدَينِ، وَلَمْ يَكُنْ | ليَثْنِي الأعَادِي أعزَلُ اللّيلِ حاسرُهْ |
وَلَوْ كَانَ سَيفي ساعةَ القتل في يدي | درَى القاتلُ العَجلانُ كيفَ أُساوِرُهْ |
حَرَامٌ عليّ الرّاحُ، بَعْدَكَ، أوْ أرَى | دَماً بدَمٍ يَجرِي عَلى الأرْضِ مائرُهْ |
وَهَلْ أرْتَجِي أنْ يَطْلُبَ الدّمَ وَاترٌ | يَدَ الدّهْرِ، والمَوْتُورُ بالدّمِ وَاتِرُهْ |
أكانَ وَليُّ العَهْدِ أضْمَرَ غَدْرَةً؟ | فَمِنْ عَجَبٍ أنْ وُلّيَ العَهدَ غادرُهْ |
فلا مُلّيَ البَاقي تُرَاثَ الذي مَضَى، | وَلاَ حَمَلَتْ ذاكَ الدّعَاءَ مَنَابِرُهْ |
وَلاَ وَألَ المَشْكُوكُ فيهِ، وَلا نَجَا | من السّيفِ ناضِي السّيفِ غدراً وَشاهرُهْ |
لَنِعمَ الدّمُ المَسْفُوحُ، لَيلَةَ جَعفرٍ، | هَرَقتُمْ، وَجُنحُ اللّيلِ سُودٌ دَيَاجِرُهْ |
كأنّكُمْ لمْ تَعْلَمُوا مَنْ وَلِيُّهُ، | وَنَاعيهِ تَحْتَ المُرْهَفَاتِ وَثَائِرُهْ |
وإنّي لأرْجُو أنْ تُرَدّ أُمُورُكُمْ | إلى خَلَفٍ مِنْ شَخصِهِ لا يُغَادِرُهْ |
مُقَلِّبُ آرَاءٍ تُخَافُ أنَاتُهُ، | إذا الأخرَقُ العَجلانُ خيفتْ بَوَادرُهْ |