نسخ الإجماع والنسخ به
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
نسخ الإجماع والنَّسخ بهجمهور الأصوليين على أن الإجماع لا يجوز أن يكون ناسخًا ولا منسوخًا، واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون ناسخًا بأن المنسوخ به إما أن يكون نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا، ولا جائز أن يكون نصًّا؛ لأن الإجماع لا بد أن يكون له نص يستند إليه، خصوصًا إذا انعقد على خلاف النص.
وإذًا يكون الناسخ هو ذلك النص الذي استند إليه الإجماع، لا نفس الإجماع، ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع إجماعًا؛ لأن الإجماع لا يكون إلا عن مستنَد يُستند إليه مِن نص أو قياس؛ إذ الإجماع بدون مستندٍ قولٌ على الله بغير علم، والقول على الله بغير علم ضلالة، والأمة لا تجتمع على ضلالة، ومستند الإجماع الثاني لا بد أن يكون نصًّا حدث بعد الإجماع الأول؛ لأن ذلك النص لو تحقق قبل الإجماع الأول ما أمكن أن ينعقد الإجماع على خلافه.
ولا ريب أن حدوث نص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم محال، فما أدى إليه - وهو نسخ الإجماع بالإجماع - محال، ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع قياسًا؛ لأن الإجماع على خلاف القياس يقتضي أحد أمرين، إما خطأ القياس، وإما انتساخه بمستند الإجماع، وعلى كلا التقديرين فلا يكون الإجماع ناسخًا، واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون الإجماع منسوخًا بأن الإجماع لا يعتبر حجةً إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذًا فالناسخ له إما أن يكون نصًّا أو قياسًا أو إجماعًا، ولا جائز أن يكون نصًّا؛ لأن الناسخ متأخر عن المنسوخ، أو لا يُعقَل أن يحدُث نص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا جائز أن يكون الناسخ للإجماع قياسًا؛ لأن نسخ الإجماع بالقياس يقتضي أن يكون الحكم الدال على الأصل حادثًا بعد الرسول، وهو باطل، ولا جائز أن يكون الناسخ للإجماع إجماعًا؛ لِما سبق، وأما قولهم: هذا الحكم منسوخ إجماعًا، فمعناه أن الإجماع انعقد على أنه نُسخ بدليل من الكتاب أو السنة، لا أن الإجماع هو الذي نسخه[1].
والقول بأن الإجماع لا يكون ناسخًا ولا منسوخًا هو قول الجمهور كما أسلفت، وخالفهم بعض المعتزلة فجوزوا أن يكون الإجماع ناسخًا لغيره.
[1] مناهل العرفان: 2 /252، بتصرف يسير.