أطار بكَ الناعي فؤادَ العُلى ذُعرا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أطار بكَ الناعي فؤادَ العُلى ذُعرا | غداة َ نعى في نعيك المجدَ والفخرا |
دعا بك فابيضَّت لنعيكَ عينُها | من الحزن وارفضَّت مدامعُها حمرا |
بكتكَ فجارت جود كفيك إذ جرت | بدمعٍ تعدّى القطرَ إذ ساجل القطرا |
ألا إنَّ روضَ المكرمات برغمها | ذوي بعدما قد كان غضَّ الحيا نضرا |
وتلك قناة ُ العزِّ طارت بكفه | شظايا إلى أن كلها نفدت كسرا |
فيا موحشاً نادى النهى برحيله | ويا تاركاً عين الندى أسفاً عبرى |
ليومك جرحٌ في حشا المجد لم يجد | معالجهُ طولَ الزمان له سبرا |
أصاب الردى لمّا أصابك مقتلاً | من الحسب السامي به قتل الصبرا |
وغادر أفقَ المجدِ أغبر قاتما | يحثو الثرى لمّا توسَّد في الغبرا |
لمن بعدك الفيحاءُ تذخر دمعَها | وقد كنت عند النائبات لها ذخرا؟ |
حرامٌ بأن يُهدي بها عاطرُ الثنا | فبعد عروس سائرُ الدهر لا عطرا |
بلى فلتكن في النوح «خنساء» عصرها | وإن جلَّ عن صخرٍ «سليمانها» قدرا |
قفا ناشداها أين بان عميدُها | وهل بعده حامٍ تسدُّ به ثغرا؟ |
غدت بين ذؤبان الخطوب فريسة ً | بها كيف شاءت تنشب الناب والظفرا؟ |
مضى ابنُ جلاها لا ومثواه لا ترى | من القوم من يجلو دجى همها الدهرا |
أمرَّ لديها العيشُ بعد افتقاده | وكان حلا فيه لأبنائها عصرا؟ |
فعذراً إذاً إن تشتك اليتمَ بعده | فقد فقدتْ منه أباً لم يزل برّا |
برغم أخيه الجود ودّع شخصَه | وعاد إلى لقياه ينتظر الحشرا |
ففي القلب منه كلما مرَّ خاطرٌ | تذكّر محزوناً وأني له الذكرى |
فتى ً شدَّ أزرَ المجد فيه أطايبٌ | على عفة ٍ منذ ارتدوا شدّوا الأزرا |
كرامٌ على أولي الزمان رحابُهم | لمنتجعى معروفهم لم تزل خُضرا |
لهم شرفُ البيت القديم ووفدُهم | يحيّون فيه منهم البدرَ فالبدرا |
ثلمن المنايا عزَّهم "بمحمدٍ" | فشلَّت يدٌ فيها تناولنه قسرا |
فتى ً كان سيفاً فاصلاً في يد العُلى | يقدُّ ولو لاقى ضرييته الدهرا |
وكان لها في نحرها عقد سؤددٍ | فلو شعرت يوماً به باهت الشعرى |
ترى هل درى ناعيه أن نعيَّه | من الشرف الوضّاح قد قصم الظهرا؟ |
وحرَّ به قلب النهى فكأنما | سرى بين أضلاع النهى نعيُه جمرا |
فيا حامليه هل علمتم بأنكم | حملتم على أعواده النهى َ والأمرا؟ |
ويا دافنيه في الثرى هل علمتمُ | بأنكمُ واريتمُ في الثرى بحرا؟ |
لقد كان إن جن الدجى ليلَ حادثٍ | يشقُّ لها من نور طلعته فجرا |
أغرُّ إذا ما قطبَّ العامُ مجدباً | تبسَّم فيه للندى وجلا ثغرا |
وإن قبضت يمنى الكرام بنانَها | مخافة إعسارٍ به بسط اليسرى |
ضحوك المحيا بُوركت منه طلعة ٌ | تشعُّ لو استقطرتها قطرت بشرى |
إذا ما نشرنا في المجالس ذكرَه | تأرَّج في الدنيا فطبّقها نشرا |
لئن غاب فهو البدر موفٍ فقد مضى | وأعقب في أفق العُلى أنجماً زهرا |
وما مخدرٌ أخلى الردى منه غابه | إذا منعت أشباله بعده الخدرا |
غطارفة ٌ غرُّ المساعي تقيّلوا | أباً فأباً كانوا غطارفة ً غرّا |
إذا فوخروا يوماً أتوا بأبيهم | وعدُّوا مزاياهم فقيل كفى فخرا |
بحارٌ ولكن في يدي كل واحدٍ | نشأن لمرتاد النهى أبحرٌ عشرا |
لقد عذبوا بين الأنام خلائقاً | ترشّفها حتى انتشى كلّهم سكرا |
مناجيبُ قد أفنى التراثَ على الندى | أبوهم وأبقى في العُلى لهم الذكرى |
مضى مَن نضت أمُّ الفخار حدادَها | عليه ولم تمسح مفارقها الغبرا |
وقد أودعت شطراً بلحد محمدٍ | ولحد "سليمانٍ" به أودعت شطرا |
فلا يشمت الحسّادُ في موت ماجدٍ | قضى حين وافته الملائكُ بالبشرى |
فهذا على ُّ القدر قام من العُلى | مقامَ "سليمانٍ" فزيدت به فخرا |
خضمُّ ندى ً ما البحرُ يطفح موجه | بأغزر لجاً من بنانته الصغرى |
وهضبة حلمٍ لو وزنت به الورى | وجدتهم في جنبه كلَّهم ذرّا |
وراءكم يا حاسديه مكانه | بأندية العليا فإنَّ له الصدرا |
وكم موكبٍ للفخر ضمّكم معاً | فكنتم بغاثاً وهو كان به صقرا |
أخو أخوة ٍ في المكرمات جميعهم | أتوا شرَعاً فاستغرقوا الحمد والشكرا |
عليُّهم في المجد محسنُهم بدا | ومحسنهم منسيُّهم نائلاً غمرا |
بني الحلم أنتم أرسخ الناس هضبة ً | وأرحبهم في كل نازلة ٍ صدرا |
نقول لكم صبراً ونعلم أنكم | أجلُّ ولكنْ عادة ٌ قولنا صبرا |
لكم ختم اللهُ الرزايا بهذه | فلا طرقت أبياتكم بعدها أخرى |