يا أخا الأزد ما حفظت الإخاء
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
يا أخَا الأزْدِ ما حَفِظتَ الإخَاءَ | لمُحبٍّ، ولا َرعيْتَ الوَفَاءَ |
عَذَلاً يَترُكُ الحَنِينَ أنِيناً، | في هَوىً يَترُكُ الدّمُوعَ دِماءَ |
لا تَلُمْني على البُكَاءِ، فإنّي | نَضْوُ شَجوٍ، ما لُمْتُ فيهِ البُكاءَ |
كَيفَ أغْدو مِنَ الصّبابَةِ خِلْواً، | بعَدَ ما رَاحَتِ الدّيارُ خَلاءَ |
غِبَّ عَيْشٍ بها غَرِيرٍ وَكَانَ الـ | ـعَيْشُ في عَهْدِ تُبّعٍ أفْيَاءَ |
قِفْ بها وَقْفَةً تَرُدُّ عَلَيْها | أدْمُعاً، رَدَّهَا الجَوَى أنْضَاءَ |
إنّ للبَينِ مِنّةً لا تُؤدّى، | وَيَداً في تُمَاضِرٍ بَيْضَاءَ |
حَجَبُوهَا، حتى بَدَتْ لِفرَاقٍ | كَانَ داءً لعاشِقٍ، وَدَوَاءَ |
أضْحَكَ البَينُ يَوْمَ ذاكَ وَأبكى | كلَّ ذي صَبْوَةٍ، وَسَرّ، وَسَاءَ |
فَجَعَلْنَا الوَداعَ فيهِ سَلاماً؛ | وَجَعَلْنَا الفِرَاقَ فيهِ لِقَاءَ |
وَوَشْتْ بي إلى الوُشَاءِ دُموعُ الـ | ـعَينِ، حتى حَسِبتُها أعْداءَ |
قُلْ لداعي الغَمامِ لَبّيْكَ، وَاحلل | عُقُلَ العِيسِ، كيْ تُجيبَ الدّعاءَ |
عَارِضٌ مِنْ أبي سعيدٍ دَعَانَا | بِسَنَا بَرْقِهِ، غَداةَ تَرَاءَى |
كَيفَ نُثني على ابنِ يوسُفَ لا كيْـ | ـلفَ سَرى مَجدُهُ، فَفاتَ الثّنَاءَ |
جَادَ حتى أفنى السّؤالَ، فلَمّا | بَادَ مِنّا السّؤالُ، جادَ ابْتِداءَ |
صَامِتيٌّ، يَمُدُّ في كَرَمِ الفِعْـ | ـلِ يَداً مِنْهُ تَخْلُفُ الأنْوَاءَ |
فَهْوَ يُعطي جَزْلاً، ويُثني عليَه، | ثُمّ يُعْطي على الثّنَاءِ جَزَاءَ |
نِعَمٌ، أعْطَتِ العُفَاةَ رِضَاهُمْ | مِنْ لُهَاهُا، وَزَادَتِ الشّعَرَاءَ |
وَكَذاكَ السّحابُ لَيسَ يَعُمُّ الـ | ـأرْضَ وَبْلاً، حتى يَعُمّ السّمَاءَ |
جَلّ عَنْ مَذهَبِ المَديحِ، فقد كا | د يَكُونُ المَديحُ فيهِ هِجَاءَ |
وَجَرَى جُودُهُ رَسيلاً لجُودِ الـ | ـغَيْثِ مِنْ غَايَةٍ، فَجاءَ اسَوَاءَ |
ألهِزَبْرُ الذي، إذا التَفّتِ الحَرْ | بُ بهِ صرّفَ الرّدى كَيف شاءَ |
تَتَدانَى الآجَالُ ضَرْباً وَطَعْناً، | حينَ يَدْنُو فيَشْهَدُ الهَيْجَاءَ |
سَل بهِ، إنْ جَهِلتَ قَوْلي، وَهل يجْـ | ـهَلُ ذو النّاظِرَينِ هذا الضّيَاءَ |
إذْ مضى مُجلِباً يُقَعِقعُ في الدّرْ | بِ زَئيراً، أنسى الكلابَ العُوَاءَ |
حينَ حاضَتْ مِنْ خَوْفِهِ رَبّةُ الرَّرْ | مِ صَبَاحاً، ورَاسَلَتْهُ مَسَاء |
وَصُدورُ الجِيَادِ في جانِبِ البَحْـ | ـرِ، فَلَوْلا الخَليجُ جُزْنَ ضَحَاءَ |
ثم ألقى صليبه الملسنيو | س، ووالى خلف النجاء النجاء |
لمْ تُقَصِّرْ عُلاوَةُ الرّمْحِ عَنْهُ | قِيدَ رمح، ولمْ تُضِعْهُ خَطاءَ |
أحسَنَ الله في ثَوَابِكَ عنْ ثَغْـ | ـرٍ مُضَاعٍ أحسَنْتَ فيهِ البَلاءَ |
كانَ مُسْتَضْعَفاً فعَزّ، وَمَحْرُو | ماً فأجدى، وَمُظلِماً فَأضَاءَ |
لَتَوَلّيْتَهُ، فَكُنْتَ لأهْليـ | ـهِ غِنىً مُقْنِعاً، وَعَنِهُمْ غِنَاءَ |
لمْ تَنَمْ عَن دُعائِهم، حينَ نادَوا | والقَنَا قَدْ أسَالَ فيهم قَنَاءَ |
إذْ تَغَدّى العُلوجُ منهُمْ غُدُوّاً، | فتَعَشّتْهُمُ يَداكَ عِشَاءَ |
لمْ تُسِغْهُمْ بُرُدَ جيحانَ، حتى | قَلَسُوا في الرّماح ذاكَ المَاءَ |
وَكَأنّ النّفِيرَ حَطّ عَلَيْهِمْ | مِنْكَ نَجْماً، أوْ صَخرَةً صَمّاءَ |
لم يكُنْ جمعُهُمْ على المَوْجِ، إلاّ | زَبَداً طَارَ عَنْ قَنَاكَ جُفَاءَ |
حينَ أبْدَتْ إلَيْكَ خَرْشَنَةُ العُلْـ | ـيَا مِنَ الثّلْجِ هَامَةً شَمطَاءَ |
مَا نَهَاكَ الشّتَاءُ عنها وفي صدْ | رِكَ نَارٌ للحْقْدِ تَنْهَى الشّتَاءَ |
طالَعَتْكَ الأبْنَاءُ مِنْ شُرَفِ الأبـ | ـرَاجِ زُرْقاً، إذْ تَذبَحُ الآبَاءَ |
بِتَّها، والقُرْآنُ يَصْدَعُ فيها الهَضْـ | بَ، حتى كادتْ تكونُ حرَاءَ |
وَأقَمْتَ الصّلاةَ في مَعْشَرٍ لا | يَعْرِفُونَ الصّلاةَ إلاّ مُكَاءَ |
في نَوَاحي بَرْجَانَ، إذْ أنكرُوا التّـ | كـبيرَ حتى تَوَهّمُوهُ غِنَاءَ |
حَيثُ لمْ تُورَدِ السّيوفُ على خِمْـ | ـسِ، وَلمْ تُحرَقِ الرّماحُ ظَمَاءَ |
يَتَعَثّرْنَ في النّحُورِ وفي الأوْ | جُهِ سُكر ظماء لمّا شَرِبنَ الدّمَاءَ |
وأزَرْتَ الخُيول قَبرَ امرِىءِ القَيْـ | ـسِ سِرَاعاً، فعُدْنَ منهُ بِطَاءَ |
وَجَلَبْتَ الحِسانَ حُوّاً وَحُوراً، | آنِسَاتٍ، حتى أغَرْتَ النّساءَ |
لمْ تَدَعْكَ المَهَا التي شَغَلَتْ جيْـ | ـشَكَ بالسّوْقِ أنْ تَسوقَ الشّاءَ |
عَلِمَ الرّومُ أنّ غَزْوَكَ ما كا | نَ عِقاباً لَهُمْ، وَلَكِنْ فَنَاءَ |
بِسَباءٍ سَقَاهُمُ البَينَ صِرْفاً، | وَبِقَتْلٍ نَسُوا لَدَيْهِ السَّبَاءَ |
يَوْمَ فَرّقْتَ مِنْ كَتائِبِ آرَاك | كَ جُنْداً لا يأخُذونَ عَطَاءَ |
بَينَ ضَرْبٍ يُفَلّقُ الهَامَ أنْصَا | فاً، وَطَعْنٍ يُفَرِّجُ الغُمَاءَ |
وَبِوْدّ العَدُوّ لَوْ تُضْعِفُ الجَيْـ | ـشَ عَلَيْهِمْ وَتَصرِفُ الآرَاءَ |
خَلَقَ الله يا مُحَمّدُ أخْلاقـ | ـَكَ مَجْداً في طَيِّءٍ، وَسَنَاءَ |
فإذا ما رِياحُ جُودِكَ هَبّتْ، | صَارَ قَوْلُ العُذّالِ فيهَا هَبَاءَ |