لفقدانِ عبد الواحد الدمع قد جرى
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لفقدانِ عبد الواحد الدمع قد جرى | وأَجرى نجيعاً للمدامع أحمرا |
تذكرته من بعد حول فأذْرَفَتْ | عليه جفوني حسرة ً وتذكّرا |
فكفكفْتُ من عيني بوادر عبرة | وما خِلْتُها لولاه أنْ تَتَحدَّرا |
أقام عليَّ العيدُ في النحر مأتما | وأظهرَ ما قد كان في القلب مضمرا |
لئن غيّبوه في التراب وأظلمتْ | معالم كانت تفضح الصبح مسفرا |
فما أَغمدُوا في الترب إلاّ مُهَنَّدا | ولا حملوا في النعش إلاّ غضنفرا |
أُصِبْنَا وأيم الله كلّ مصيبة | بأروع أبكى الأجنبين ولا مرا |
فيا لك من رزءٍ أصاب وحادث | ألمّ وخطبٍ في الجلاميد أثّرا |
تَفَقَّدْتُ منه وابل القطر ممطراً | وفارقتُ منه طلعة البدر نيّرا |
وما كان أبهى منه في الناس منظراً | ولا كان أزكى منه في الناس مخبرا |
أفي كلّ يوم للمنايا رزيّة | تكاد لها الأكباد أنْ تتفطّرا |
تهيّجُ أحزاناً وتبعثُ زفرة ً | وتُرسِلُ في فَقد الأحبّة ِ منذرا |
تكدّر أخوان الصفا في کنبعاثها | وأَيُّ صفاء لامرىء ٍ ما تكدَّرا |
أجلُّ مصاب الدهر فقدكَ ماجداً | ودفنك أجداث الأكارم في الثرى |
وقولك مات الأكرمون فلم نجدْ | زعيماً إذا ما أورد الأمر أصدر |
وما حيلة الإنسان فيما ينوبه | إذا كان أمر الله فيه مُقَدَّرا |
وهبك کتَّقَيت الرزء حيث أريته | فكيف بمن يأتيك من حيث لا ترى |
ونحن مع المقدور نجري إلى مدى | وليس لنا في الأمر أنْ نتخيّرا |
إذا لم تمتعْ بالبقاء حياتنا | فلا خيرَ في هذي الحياة التي نرى |
على ذاهب منا برغم أُنوفنا | نعالجُ حزناً أو نموت فتعذر |
وما أنا بالناسي صنعائه التي | تذكّرنيه كلّ آنٍ تذكُّرا |
فأثني عليه الخير حيّاً وميّتاً | وأشكره ما دمت حيّاً مذكرا |
وإنّي متى صوَّعتُ طيب ثنائه | فتقتُ به مسكاً وأشممتُ عنبرا |
تبارك من أنشاك يا ابن مبارك | جميلاً من المعروف لن يتنكرا |
وما زلتَ حتى کختارك الله طاهراً | فكنت كماء المزن عذباً مطهرا |
إلى رحمة الرحمن والفوز بالرضا | سبقت وما أسبقت فينا التصبّرا |
وما كان بالصبر الجميل تمسكي | ألا إنَّ ذاك الصبر منفصم العرى |
كفى المرءَ في الأيام موعظة ً بها | وتبصرة ً فيها لمن قد تبصّرا |
ولا بد أنْ تلقى المنون نفوسنا | ولو أنّنا عشنا زماناً وأعصرا |
وإنَّ الليالي لم تزل بمرورها | تسلّ علينا بالأهلّة خنجرا |
أتطمعنا آمالنا ببقائنا | بكلِّ حديثٍ ما هنالك مفترى |
وإنَّ المنايا لا أبا لك لم تَدَعْ | من الناس سرباً ما أربعَ وأذعرا |
أغارت على الأقيال من آل حميرٍ | وجاءت على كسرى الملوك وقصيرا |
فما منعت عنها حصون منيعة ً | ولا كشفت من فادح الخطب ما عرا |
لئن غاب عن أبصارنا بوفاته | فما زالك في الأفكار منّا مصوّرا |
فقدناك فقدان الزلال على الظما | فلا منهل إلاّ ومورده جرى |
ألا في سبيل الله ما كنت صانعاً | من البرّ والمعروف في سائر الورى |
وكنت لوجه الله تشبع جائعاً | وتطعم مسكيناً وتكسو لمن عرى |
وإني لأستسقي لك الله وابلاً | متى استمطر الصادي عزاليه أمطرا |
يَصُوب على قبر يضمُّك لَحْدُه | ويَسْطعُ مسكاً من أريجك أذفرا |
سقاك الحيا المنهلّ كل عشيّة | وروّاك من قطر الغمام مبكرا |
فقد كنت للظمآن أعذب منهل | وقد كنت غيثاً بالمكارم ممطرا |
وقد كان فيك الشعر يَنْفُقُ سوقُه | لديك ويبتاع الثناء ويشترى |
وقد ساءني أنْ أصبحَ الفضل كاسداً | وأصبحَ مغنى الجود بعدك مقفرا |
وقد خَمدت نار القرى دون طارق | فلا جود لجدوى ولا نار للقرى |
وغودر ساري الحمد في كلّ مهمه | من الأرض مصروف العنان عن السرى |
فلا أخصبتْ أرض الخصيب ولا زهى | بها الربع مأنوساً ولا الروض مزهرا |
لقد كان صُبحي من جبينك واضحاً | وقد كان ليلي من محيّاك مقمرا |
فيا ليت شعري والحوادث جمّة | ويا ليتني أدري ومن ذا الذي درى |
محاسن ذاك العصر كيف تبدَّلَتْ | ورونق ذاك الحسن كيف تغيّرا |
وكانت لك الأيدي طوالاً إلى العلى | تناول مجداً في المعالي ومفخرا |
فكم راغب فيها وكم طامع بها | أَمَدَّ لها الباعَ الطويل فقصّرا |
ومن مكرمات تملكُ الحرَّ رقّة ً | تطوّق من أيديك يداً ومنحراً |
ومن حسنات تخلق الدهر جدّة ً | كتبت بها في جبهته المجد أسطرا |
وكم معسر بدّلْت بالعُسْر يُسْرَه | وما زلت للفعل الجميل ميسّرا |
ولو كانت الأَنصار تُنجي من الردى | نصرناك إذا وافاك نصراً مؤزّرا |
فكم مقلة ٍ أذرتْ عليك دموعها | ومهجة صادٍ أوشكت أنْ تسعّرا |
وكم كبدٍ حرّى يحرّقها الأسى | تكادُ على ذاكراك أن تتفطّرا |
وليلة تذكيني بذكرك زفرة | حرام على عيني بها سنة الكرى |
عليك سلام الله ما حَجَّ محرمٌ | وهلَّل في تلك البقاع وكبّرا |