أنيخاها فقدْ بلغتْ مناها
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أنيخاها فقدْ بلغتْ مناها | وغادرها المسيرُ كما تَراها |
سلكتُ بها فجاج الأرض حتى | أضرَّ بها وأوهنها قواها |
فَسَلْني كيفَ جابتها قِفاراً | وكيف فدافدها خطاها |
وما أنسى الوقوف على رسومٍ | عناني في الصبابة ماعناها |
قضى بوقوفه المشتاقُ فيها | وجُوهاً يا أمَيْمَة لا أراها |
وقفتُ أناشِدُ الأطلال منها | ديوناً للمنازل ما قضاها |
واذكر ما هنالك طيبَ عيشٍ | به تجري النفوس على مداها |
جرَينا في ميادين التصابي | إلى اللّذات نستحلي جناها |
فواهاً لِلّذائذ كيف ولّت | وآها من تصرمّها وآها |
تدار من المدام على الندامى | كؤوسُ الراح تشرق في سناها |
وألحان المثالثِ والمثاني | يُغنّيها فتطربُ في غناها |
وينظما اجتماع في رياضٍ | نثار الطل يلبسها حلاها |
وقد أملتْ حمائمها علينا | من الأوراقِ شيئاً من أساها |
كأنَّ الوُرْقَ حين بكتْ وأبكتْ | رماها بالقطيعة من رماها |
تُكَتِّمُ أدمعاً وتبوحُ وجداً | وتعرب ما هنالك عن جواها |
وربَّ مديرة ٍ كأس الحميّا | أخذتُ بكفِّها ورشفتُ فاها |
ومسودِّ الإهاب من الدياجي | كشَفْتُ بشهبُ أكؤسنا دجاها |
وعانقت القوام اللَّدنَ منها | و عينُ الواشي يحجبها عماها |
فآونة ً ترشِّفني طلاها | وآونة ترشِّفني لماها |
ومن عجبٍ أذلُّ لذاتِ دلٍّ | وتسبيني المحاسن في هواها |
ولي نفس متى دعيتْ لذلٍّ | نهاها عن إجابته نهاها |
أبَتْ نفسي مداناة الدّنايا | وأغنتها القناعة عن غناها |
وهل تستعبد الأطماع حراً | إذا عرضت له الدنيا ازدراها |
ولست ألينُ والأيام تقسو | بشدَّتها ولمْ أطلبْ رخاها |
وأرض يَفْرَقُ الخرّيت فيها | ويفزعُ من مهالك ما يراها |
سلكتُ فجاجها ومَرَقْتَ منها | مروقَ النَّبل يبعدُ مرتماها |
سليني كيف جرَّبت الليالي | وكيف عرفتها وعرفتُ داها |
بلوت الناس قَرناً بعد قرنٍ | وكنتُ بها أحقَّ من ابتلاها |
فلم أزدد بها إلاّ اختباراً | ولم أزدد بها إلاّ انتباها |
وفي عبد الحميد بديع شعري | مناقبُ عن معاليه رواها |
نعمتُ بفضله وشكرت منه | يداً لا زال يغمرني نداها |
فما استعذبتُ غير ندى يديه | وما استعذبته مما عداها |
فلو أني وردتُ البحر عذباً | أنِفْتُ من الموارد ما خلاها |
وإنَّ الله أودع فيه معنى ً | لتسمية المكارم مذ براها |
من السادات من أعلى قريشٍ | سلالة ِ خير خلق الله طه |
شديد البأس ألطفَ من نسيم | تعطِّره الأزاهر من شذاها |
يخوض غمارها الهيجاء خوضاً | وماء الموت يرشحُ من ظباها |
ويرفع راية المنصور فيها | ويخفض من أعاديه الجباها |
إليه العزُّ يتَّجهُ اتّجاها | |
تريه بوطنَ الآراء تبدو | فلمْ تحجبْ لعمرك ما زراها |
أرَته زينة َ الأمجاد تزهو | بأردية ِ المحاسن فارتداها |
تولَّى والولاية فيه أضحتْ | |
وأحيا بالعمارة كلَّ أرضٍ | وأجرى في ضواحيها المياها |
وأمَّنَ بالصيانة ساكنيها | وأصبحَ فيه محميّاً حماها |
حماها حيث كانت من لدنه | بعينِ عناية ٍ ممَّن رعاها |
ودبَّرها بلطفٍ لا بعنفٍ | فأرشَدَها وألهَمَها هداها |
فما مدَّتْ إلى أحدٍ يداها | |
فَهَل من مبلغٍ عَنّي ثناءً | تقيَّ الدين يشكره شفاها |
ربما أسْدى من الحُسنى إلَينا | وماعرف الأماجدَ فاجتباها |
تَفرَّسَ بالرجال فزاد عِلماً | فولاّها الأمور بمقتضاها |
وسيَّرْنا فالساحته الأماني | |
إليك ركبتها في البحر تجري | من الفلك السوابق في سراها |
تنَّفسُ بالدخان وفي حشاها | لظى نارٍ مُسَعَّرة ٍ لظاها |
ويخفِقُ وهي مثل الطير سبحاً | جناحاها إذا دارت رحاها |
جَرَت مجرى الرياح بلا توانٍ | فما احتاجت إلى ريحٍ سواها |
وما زلنا بها حتى بَلَغنا | من الامال أقصى مبتغاها |
بقيتَ لنا مدى الأيام ذخراً | نراها فيك أحسَنَ ما نراها |
فمثلك في المكارم لا يجارى | ومثلك في الأكارم لا يضاهى |