لعزّة أطلالٌ أبتْ أنْ تكلّما
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لعزّة أطلالٌ أبتْ أنْ تكلّما | تهيجُ مغانيها الطَّروبَ المتيَّما |
كأنَّ الرّياحَ الذّارياتِ عشيّة ً | بأطْلالها يَنْسِجنَ رَيْطاً مُسهَّما |
أَبَتْ وأَبَى وَجْدِي بِعَزَّة َ إذْ نَأْتْ | على عدواءِ الدَّارِ أنْ يتصرَّما |
ولكنْ سقى صوبُ الرّبيعِ إذا أتى | على قَلَهيَّ الدَّارِ والمُتَخَيَّما |
بغادٍ من الوسميِّ لمّا تصوَّبتْ | عثانينُ واديهِ على القعرِ ديِّما |
سقى الكُدرَ فاللَّعباءَ فالبُرقَ فالحمى | فلوذَ الحصى من تغلمينِ فأظلَما |
فأروى جنوبَ الدَّونكينِ فضاجعاً | فدرَّ فأبلى صادقَ الوبلِ أسحما |
تثُجُّ رواياهُ إذا الرَّعدُ زجَّها | بشابة َ فالقُهبِ المزادَ المُحذلما |
فأصبح من يرعى الحمى وجنوبَهُ | بذي أَفَقٍ مُكّاؤهُ قد تَرَنَّما |
دِيَارٌ عَفَتْ مِنْ عَزَّة َ الصَّيْفَ بعدما | تُجدُّ عليهنَّ الوشيعَ المثمّما |
فإنْ أَنْجَدَتْ كان الهوى بكَ مُنجداً | وإنْ أتْهَمَتْ يوماً بها الدَّارُ أتْهما |
أجدَّ الصِّبا واللّهوُ أن يتصرّما | وأنْ يعقباكَ الشَّيبَ والحلمَ منهُما |
لَبِسْتَ الصِّبَا واللَّهْوَ حتَّى إذا انقضى | جَدِيدُ الصِّبَا واللّهوِ أعرضت عنهما |
خليلينِ كانا صاحبيكَ فودّعا | فخذْ منهما ما نوَّلاكَ ودعهُما |
على أنَّ في قلبي لِعزَّة وَقْرَة ً | مِنَ الحُبِّ ما تَزْدَادُ إلا تتيُّما |
يطالبُها مستيقناً لا تثيبُهُ | ولكن يُسلّي النّفسَ كي لا يلوَّما |
يَهَابُ الَّذي لم يُؤْتَ حلماً كلامَها | وإنْ كان ذا حلمٍ لديها تحلَّما |
تَرُوكٌ لِسِقْطِ القَوْلِ لا يُهتَدَى به | ولا هيَ تستوصى الحديثَ المُكتَّما |
وَيَحْسَبُ نسْوانٌ لهنَّ وسيلة ً | من الحُبّ، لا بَلْ حُبُّها كان أقدما |
وعُلّقْتُها وَسْطَ الجواري غَرِيرَة ً | وما قُلّدَتْ إلا التّميمَ المنظَّما |
غيوفُ القذى تأبى فلا تعرفُ الخنا | وترمي بعينيها إلى مَنْ تَكَرَّما |
إلى أن دعتْ بالدَّرعِ قبلَ لداتِها | وعادتْ تُرى منهنَّ أبهى وأفخما |
وغالَ فضولَ الدَّرع ذي العرضِ خلقُها | وَأَتْعَبَتِ الحجْلَينِ حتَّى تقَصَّما |
وكظّتْ سواريْها فلمْ يألُوانِها | لدنْ جاورا الكفّينِ أنْ يتقدّما |
وتُدني على المتنينِ وحفاً كأنّهُ | عَنَاقِيدُ كَرْمٍ قد تَدَلّى فأنعما |
من الهيفِ لا تخزى إذا الرّيحُ ألصقتْ | على متنِها ذا الطُرَّتين المنَمنما |
وكنتُ إذا ما جئتُها بعدَ هجرة ٍ | تقاصرَ يومئذٍ نهاري وأغيما |
فأقسمتُ لا أنسى لعزَّة َ نظرة ً | لها كدتُ أُبدي الوجد منّي المجمجِما |
عَشِيَّة َ أوْمتْ، والعيونُ حواضِرٌ | إليَّ برجعِ الكفِّ أنْ لا تكلَّما |
فأعرضتُ عنها والفؤادُ كأنّما | يرى لو تناديهِ بذلك مغنما |
فإنّكَ -عمري- هل أريكَ ظعائناً | بصحنِ الشَّبا كالدَّومِ من بطنِ تريما |
نَظَرْتُ إليها وَهْيَ تَنْضُو وَتَكْتَسِي | من القفرِ آلاً كلَّما زالَ أقتَما |
وقد جعلَتْ أشجانَ بركٍ يمينَها | وَذَاتَ الشّمَالِ مِنْ مُريخة َ أشْأما |
مولِّية ً أيسارها قطنَ الحمى | تواعدنَ شرباً من حمامة َ مُعلما |
نَظَرْتُ إليها وهيَ تُحْدى عشيّة ً | فأتبعتُهمْ طرفيَّ حتّى تتمّما |
تروعُ بأكنافِ الأفاهيدِ عيرُها | نعاماً وحقباً بالفدافدِ صيّما |
ظَعَائِنُ يَشْفِينَ السَّقِيمَ مِنَ الجَوَى | بهِ يُخبِّلنَ الصّحيحَ المُسلَّما |
يُهِنَّ المُنَقَّى عِنْدَهُنَّ من القَذَى | ويُكْرِمْنَ ذا القاذورة ِ المتكرِّما |
وكنتُ إذا ما جئتُ أجللنَ مجلسي | وأبدين منّي هيبة ً لا تجهُّما |
يُحَاذِرْنَ مِنّي غَيْرَة ً قد عَلِمْنها | قديماً فما يَضْحَكْنَ إلاَّ تبسُّما |
يُكَلّلنَ حَدَّ الطَّرفِ عن ذي مهابة ٍ | أبانَ أولاتِ الدَّلِّ لمّا توسَّما |
تَرَاهُنَّ إلاَّ أنْ يؤدّينَ نظرَة ً | بمؤخِرِ عَيْنٍ أو يُقلِّبْنَ مِعْصَمَا |
كواظمَ لا ينظقنَ إلاّ محورة ً | رجيعة َ قولٍ بعدَ أنْ يُتفهَّما |
وَكُنَّ إذا ما قُلْنَ شيئاً يسُرُّهُ | أَسَرَّ الرِّضا في نفسه وتجرّما |
فأَقْصَرَ عن ذاك الهَوَى غيرَ أنَّهُ | إذا ذُكِرَتْ أَسْمَاءُ عَاجَ مُسلِّما |