في مثلِ حبكمُ لا يحسنُ العذلُ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
في مثلِ حبكمُ لا يحسنُ العذلُ، | وإنّما النّاسُ أعداءٌ لِما جَهِلُوا |
رأوا تحيرَ فكري في صفاتكمُ، | فأوسعوا القولَ إذ ضاقتْ بيَ الحيلُ |
وأنهمْ عرفوا في الحبّ معرفتي | بشأنكم، عذروا من بعدِما عذلوا |
يا جاعِلي خبري بالهجرِ مبتدئاً، | لاعطفَ فيكم، ولا لي منكمُ بدلُ |
رفعتُ حالي، ورفعُ الحالِ ممتنعٌ، | إليكم، وهوَ للتمييزِ يحتملُ |
كم قد كتمتُ هواكم لا أبوحُ بهِ، | والأمرُ يَظهَرُ والأخبارُ تَنتَقِلُ |
وبِتُّ أُخفي أنيني والحَنينَ بكُم | تَوَهّماً أنّ ذاكَ الجُرحَ يَندَمِلُ |
كَيفَ السّبيلُ إلى إخفاءِ حبّكُمُ، | والقَلبُ مُنقَلِبٌ، والعَقلُ مُعتَقَلُ |
يا مُلبسي القلبِ ثَوبَ الحُزنِ بعدهمُ، | حزني قشيبٌ وصبري بعدكم سملُ |
لِذا بَواكرُ أيّامي، لبُعدِكُمُ، | أصائلٌ، وضحاها بعدكم طفلُ |
أحسَنتُمُ القَولَ لي وَعداً وَتَكرِمَة ً، | لا يصدقُ القولُ حتى يصدرَ العملُ |
حتى إذا وَثِقَتْ نَفسي بمَوعِدِكم، | وقلتُ: بُشرايَ زال الخوفُ والوَجَلُ |
حملتموني، في ضعفي، لقوتكم | ما لَيسَ يَحمِلُهُ سَهلٌ ولا جَبَلُ |
للهِ أيامنا، والدارُ دانية ٌ، | والشّملُ مُجتَمِعٌ، والجمعُ مُشتَمِلُ |
شَفَيتُ غُلّة َ قَلبي، والغَليلَ بها، | فاليومَ لا غلتي تفشى ، ولا الغللُ |
ياحبذا نسمة ُ السعديَ حينَ سرتْ | مريضَة ً في حَواشي مِرطِها بَلَلُ |
لا أوحشَ اللهُ من قومٍ لبعدهمُ، | أمسيتُ أحسدُ من بالغمضِ يكتحلُ |
غابُوا، وألحاظُ أفكاري تُمَثّلُهم، | لأنهم في ضميرِ القلبِ قد نزلوا |
ساروا، وقد قَتَلوني بعدَهم أسَفاً، | يا لَيتَهُم أسُروا في الرّكبِ مَن قَتَلُوا |
وخَلّفُوني أعَضّ الكَفَّ من نَدَم، | وأُكثِرُ النّوحَ، لمّا قَلّتِ الحِيَلُ |
أقولُ في إثرهم، والعينُ دامية ٌ، | والدّمعُ مُنهَمِرٌ منها ومُنهَمِلُ: |
ما عودوني أحبائي مقاطعة ً، | بل عودوني، إذا قاطعتهم وصلوا |
وسِرتُ في إثرِهم حيرانَ مُرتَمِضاً، | والعيسُ من طَلّها تَحفَى وَتَنتَعِلُ |
تريكَ مشيَ الهوينا، وهيَ مسرعة ٌ، | مرَّ السحابة ِ لا ريثٌ، ولا عجلُ |
لا تَنسبنّ إلى الغِربانِ بَينَهُمُ، | فذاكَ بينَ غٍدَتْ غِربانُهُ الإبِلُ |
وفي الهَوادِجِ أقمارٌ مُحَجَّبَة ٌ، | أغرة ٌ حملتها الأنيقُ الذللُ |
تلك البروجُ التي حلتْ بدورهمُ | فيها، وليسَ بها ثَورٌ، ولا حَمَلُ |
وحجتِ العيسَ حادٍ صوتهُ غردٌ، | بنغمة ٍ دونها المزمومُ والرملُ |
حدا بهم ثمّ حيّا عيسهم مرحاً، | وقالَ: سِرْ مُسرِعاً حُيّيتَ يا جَملُ |
ليتَ التّحيّة َ كانتْ لي، فأشكُرَها، | مكانَ يا جملٌ حييتَ يا رجلُ |