بكيتُ دماً لو كانَ سكبُ الدما يغني،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بكيتُ دماً لو كانَ سكبُ الدما يغني، | وضاعفتُ حزني لو شفى كمداً حزني |
وأعرضتُ عن طيبِ الهناءِ لأنني | نقمتُ الرّضى حتى على ضاحكِ المزنِ |
أرى العيش في الدّنيا كاحلامِ نائمٍ، | فلَذّاتُها تَفنى ، وأحداثُها تُفني |
فمن حادثٍ جمٍّ صفقتُ له يدي، | ومن فادحٍ صَعبٍ قَرَعتُ له سنّي |
أفي الستّ والعِشرينَ أفقدُ سِتّة ً، | جبالاً غدتْ من عاصفِ الموتِ كالعهنِ |
فقَدتُ ابنَ عمّي وابن عمّي وصاحبي، | وأكبرَ غِلماني بها، وأخي، وابني |
متى تُخلِفُ الأيّامُ كابنِ مُحَمّدٍ | ونجلِ سرايا بعدهُ، وفتى الرّكنِ |
رجالاً لوَ انّ الشامخاتِ تساقطتْ | عليهم، لكان القلبُ من ذاك في أمنِ |
فجعتُ بندبٍ كانَ يملأُ ناظري، | فأصبحَ ناعي نديهِ مالئاً أذني |
عفيفُ نواحي الصدرِ، من طيّ ريبة ٍ، | سليمُ ضميرِ القلبِ من دنسِ الضغنِ |
قريبٌ إلى المَعروفِ والخَيرِ والتّقَى ، | بعيدٌ عن الفحشاءِ والإفكِ والأفنِ |
جبانٌ عن الفحشا، شحيحٌ بعرضِه، | إذا عيبَ بعضُ النّاس بالشحّ والجبنِ |
ومَن أتعَبَ اللُّوّامَ في بَذلِ بِرّهِ، | فَلائِمُهُ يَثني، وآمِلُهُ يُثني |
مضى طاهرَ الأثوابِ والنفسِ والخطى ، | عفيفَ مناطِ الذيلِ والجيبِ والردنِ |
ولم يَبقَ من تَذكارِهِ غَيرُ زَفرَة ٍ، | تفرقُ بينَ النومِ، في الليل، والجفنِ |
ولو سلبتهُ الحربُ منّي لشاهدتْ | كما شاهدتْ في ثارِ أخوالِهِ منّي |
وأبكيتُ أجفانَ الصوارمِ والقنا | نجيعاً، غداة َ الكرّ في الضربِ والطعنِ |
فيا ابنَ أبي والأمّ، قد كنتَ لي أباً | حُنُوّاً، ولكن في الإطاعة لي كابني |
ليهنكَ أنّ الدمعَ بعدكَ مطلقٌ، | لفَرطِ الأسَى ، والقلبَ بالهَمّ في سجنِ |
جَعَلتُ جبالَ الصّبرِ بالحُزنِ صَفصفاً، | وصَيّرتُ أطوادَ التّجلّدِ كالعِهنِ |
وحاولتُ نظمَ الشعرِ فيكَ مراثياً، | فأرتجَ حتى كدتُ أخطىء ُ في الوزنِ |
بنيتُ على أن أتّقي بكَ شدّتي، | ولم أدرِ أنّ الذّهرَ ينقضُ ما أبني |
وبُلّغتُ ما أمّلتُ فيكَ سوى البَقا، | وما رُمتُهُ إلاّ الوُقوفَ على الدّفنِ |
سَبقتَ إلى الزّلفَى ، وما من مَزِيّة ٍ | من الفضلِ إلاّ كنتَ أولى بها منّي |
خَلَفتَ أباكَ النّدبَ في كلّ خِلّة ٍ | من المَجدِ، حتى كِدتَ عنه لنا تُغني |
سَرايا خِصالٍ من سَرايا وَرِثتَها، | على أنّ هذا الوردَ من ذلكَ الغصنِ |
جزاكَ الذي يممتَ سعياً لبيتِهِ، | وأعلَمُ أنّ الحُزنَ والموتَ واحِدٌ |
ووَفّاكَ مَن لم تَنسَ في الدّهرِ ذِكرَه | شَفاعتَه، والّناسُ في الحَشرِ كاللُّكنِ |
فقد كنتَ تحيي الليلَ بالذكرِ ضارعاً | إلى اللَه، حتى صِرتَ بالنّسكِ كالشَّنِّ |
فيؤنِسُني تَرتيبُ نَفلِكَ في الضّحى ، | ويُطرِبُني تَرتيلُ وِردِكَ في الوَهنِ |
أمنتُ صروفَ الدهرِ بعدكَ والأذى ، | فمن ذا رأى من صارَ بالخَوفِ في أمنٍ |
سأبكيكَ بالعزّ الذي كنتَ ملبسي، | لدَيكَ، وثِقلٍ كُنتَ تَحمِلُه عَنّي |
عليذ، فذا يضني القلوبَ، وذا يفني | |
فإن كانَ عمرُ البينِ قد طالَ بيننا، | كما طالَ في آناءِ مُدّتِهِ حُزني |
فحبكَ في قلبي، وذكركَ في فمي، | وشخصكَ في عيني، ولفظكَ في أذني |