فيروزجُ الصبحِ أمْ ياقوتة ُ الشفقِ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
فيروزجُ الصبحِ أمْ ياقوتة ُ الشفقِ، | بدَتْ فهَيّجَتِ الوَرقاءَ في الوَرَقِ |
أمْ صارِمُ الشّرقِ لمّا لاحَ مُختَضِباً، | كما بَدا السّيفُ مُحمَراً من العلَقِ |
ومالتِ القضبُ، إذْ مرّ النسيمُ بها، | سَكرَى كما نُبّهَ الوَسنانُ من أرَقِ |
والغيمُ قد نشرتْ في الجوّ بردتُه | ستراً تمدُّ حواشيهِ على الأفُقِ |
والسحُّبُ تَبكي، وثَغرُ البَرّ مُبتَسِمٌ، | والطّيرُ تَسجَعُ من تيهٍ ومن شَبَقِ |
فالطّيرُ في طرَبٍ، والسُّحبُ في حَربٍ، | والماءُ في هربٍ، والغصنُ في قلقِ |
وعارضُ الأرضِ بالأنوارِ مكتملٌ، | قد ظلّ يشكرُ صوبَ العارِضِ الغدِقِ |
وكلّلَ الطلُّ أوراقَ الغصونِ ضُحًى | كما تكلل خدُّ الخودِ بالعرقِ |
وأطلَقَ الطّيرُ فيها سَجْعَ مَنطِقه، | ما بَينَ مُختَلِفٍ منهُ ومُتّفِقِ |
والظلُّ يسرقُ بينَ الدوحِ خطوتَه، | وللمِياهِ دَبِيبٌ غَيرُ مُستَرَقِ |
وقد بدا الوردُ مفتراً مباسمُهُ، | والنرجِسُ الغضُّ فيها شاخصُ الحدقِ |
من أحمرٍ ساطعٍ، أو أخضرٍ نضرٍ، | أو أصفرٍ فاقعٍ، أو أبيضٍ يققِ |
وفاحَ من أرجِ الأزهارِ منتشراً | نشرٌ تعطرَ منهُ كلُّ منتشقِ |
كأنّ ذكرَ رسولِ اللهِ مرّ بها، | فأكسبتْ أرجاً من نشرهِ العبقِ |
مَحمّدُ المُصطفَى الهادي الذي اعتصَمَتْ | بهِ الورَى ، فهداهم أوضحَ الطرُقِ |
ومن لهُ أخذَ الله العهودَ على | كلّ النّبييّنَ من بادٍ ومُلتَحِقِ |
ومَن رَقي في الطِّباقِ السّبعِ مَنزِلَة ً، | ما كانَ قطّ إليها قبلَ ذاكَ رَقي |
ومَن دَنا فتَدَلّى نَحوَ خالِقِهِ، | كقابِ قَوسَينِ أو أدنَى إلى العُنُقِ |
ومَن يُقَصِّرُ مدحُ المادِحينَ لَهُ | عَجزاً ويَخرَسُ رَبُّ المَنطِقِ الذَّلقِ |
ويُعوِزُ الفِكرُ فيهِ إنْ أُريدَ لَهُ | وصفٌ، ويفضلُ مرآهُ عن الحدقِ |
علاً مدحَ اللهُ العليُّ بها | فقال إنكَ في كلٍّ على خلقِ |
يا خاتمَ الرسلِ بعثاً، وهي أولُها | فضلاً، وفائزُها بالسبقِ والسبقِ |
جمعتَ كلّ نفيسٍ من فضائلهمْ، | مِن كلّ مُجتَمِعٍ منها ومُفترِقِ |
وجاءَ في محكمِ التوارة ِ ذكرُك والـ | ـإنجيلِ والصّحُفِ الأولى على نَسَقِ |
وخصكَ اللهُ بالفضلِ الذي شهدتْ | به، لعمرُكَ، في الفرقانِ من طرقِ |
فالخلقُ تقسمُ باسمِ اللهِ مخلصة ً، | وباسمِكَ أقسمَ ربُّ العرشِ للصدقِ |
عَمّتْ أياديكَ كلَّ الكائناتِ، وقد | خُصّ الأنامُ بجُودٍ منكَ مُندَفِقِ |
جودٌ تفلتَ أرزاقَ العبادِ به، | فنابَ فيهمْ منابَ العارضِ الغدِقِ |
لو أنّ آدَمَ في خِدرٍ خُصِصَتَ بهِ، | لكانَ من شرّ إبليسَ اللّعينِ وُقي |
أو أنّ عزمكَ في نارِ الخليلِ، وقد | مستّهُ، لم يَنجُ منها غيرَ مُحترِقِ |
لو أنّ بأسكَ في موسَى الكليمِ، وقد | نوجي، لما خرّ يومَ الطورِ منصعقِ |
لوْ أنّ تبعَ في محلِ البلادِ دَعا | للهِ باسمكَ، واستسقى الحيا لسُقي |
لو آمنَتْ بكَ كلُّ النّاسِ مُخلِصة ً، | لم يُخشَ في البعثِ من بخسٍ ولا رَهَقِ |
لو أنّ عبداً أطاعَ اللهَ ثمّ أتَى | ببُغضِكُمْ، كانَ عندَ اللَّهِ غَيرِ تَقي |
لو خالفتكَ كماة ُ الجنّ عاصية ً | أركَبَتهم طَبقاً في الأرض عن طَبَقِ |
لو تودعُ البيضُ عزماً تستضيءُ به | لم يُغنِ منها صِلابُ البيضِ والدَّرَقِ |
لو تَجعَلُ النّقعَ يومَ الحربِ متّصِلاً | بالليلِ، ما كشفتهُ غرة ُ الفلقِ |
مَهّدَتَ أقطارَ أرضِ اللَّهِ، مُنفَتحاً | بالبِيضِ والسُّمرِ منها، كلُّ مُنغلِقِ |
فالحربُ في لذذٍ، والشركُ في عوذٍ، | والدينُ في نشزٍ، والكفرُ في نفقِ |
فضلٌ بهِ زينة ُ الدنيا، فكانَ لها | كالتاجِ للرأسِ، أو كالطوقِ للعنقِ |
وآلكَ الغررِ اللاتي بها عرفتْ | سبلُ الرشادِ فكانتْ مهتدى الغرقِ |
وصحبِكَ النُّجبِ الصِّيد الذينَ جرَوا | إلى المناقبِ من تالٍ ومستبقِ |
قومٌ متى أضمرتْ نفسٌ امرىء ٍ طرفاً | من بُغضِهم كانَ من بعد النّعيمِ شَقي |
ماذا تقولُ، إذا رُمنا المَديحَ، وقَد | شَرّفْتنا بمَديحٍ منكَ مُتّفِقِ |
إن قلتَ في الشّعرِ حكمٌ، والبَيانُ بهِ | سحرٌ، فرغبتَ فيهِ كلّ ذي فرقِ |
فكنتَ بالمدحِ والإنعامِ مبتدئاً، | فلو أرَدنا جزاءَ البَعضِ لم نُطِقِ |
فلا أخلُّ بعذرٍ عن مديحكمُ، | ما دامَ فكريَ لم يرتج ولم يعقِ |
فسوفَ أصفيكَ محض المدحِ مجتهداً، | فالخلقُ تفنى ، وهذا إن فنيتُ بقي |
فسوفَ أصفيكَ محض المدحِ مجتهداً، | فالخلقُ تفنى ، وهذا إن فنيتُ بقي |