أرقتُ وشر الداء هم مؤرق
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أرقتُ وشر الداء هم مؤرق | كأنّي أسيرٌ جانَبَ النومَ مُوثَقُ |
تذكّرَ سلمى ، أو صريعٌ لِصَحْبهِ | يقول إذا ما عزت الخمر : أنفقوا |
يُشِبُّ حُميّا الكأسِ فيهِ إذا انتشى | قديمُ الخِتامِ بابِليٌّ مُعَتَّقُ |
يقولُ الشُّروبُ: أيُّ داءٍ أصابَهُ؟ | أتخبيل جن أم دهاه المروق ؟ |
يَموتُ ويَحْيا تارة ً مِنْ دَبيبِها | وليسَ لهُ أنْ يُفصِحَ القيلَ منْطِقُ |
وأعجب سلمى أن سلمى كأنها | من الحسن حوراء المدامع مرشق |
دعاها إلى ظلٍّ تُزجّي غَزالَها | مع الحر عمري من السدر مورق |
تَعَطَّفُ أحياناً عليهِ وتارة ً | تكاد - ولم تغفل - من الوجد تخرق |
وللحلي وسواسٌ عليها إذا مشت | كما اهتزَّ في ريحٍ من الصَّيْف عِشْرِقُ |
إذا قَتَلَتْ لم يُؤْدَ شيئاً قتيلُها | برهرهة ٌ ريا تود وتعشق |
وتَبْسِمُ عن غُرٍّ رُواءٍ كَأَنَّها | أقاح بريانٍ من الروض مشرق |
كأنَّ رُضابَ المِسْكِ فوقَ لِثاتها | وكافورَ دارِيٍّ وراحاً تُصَفَّقُ |
حمته من الصادي فليس تنيله | وإنْ ماتَ ما غنّى الحمامُ المطوَّقُ |
تكونُ وإنْ أعطتْك عهداً كأنَّها | إذا رُمْتَ مِنْها الودَّ نجمٌ مُحَلِّقُ |
فبرح بي منها عداة ٌ فصرمها | عليَّ غرامٌ وادّكارٌ مُشوِّقُ |
وقالَ العدوُّ والصديقُ كِلاهُما | لنابغة البكري شعرٌ مصدق |
فأَحْكَمُ أَلْبابِ الرجالِ ذَوو التقى | وكل امرئٍ لا يتقي الله أحمق |
وللناسِ أهواءٌ وشَتّى هُمومُهُمْ | تَجَمَّعُ أحياناً، وحيناً تَفَرَّقُ |
وزرع وكل الزرع يشبه أصله | هم ولدوا شتى مكيسٌ ومحمق |
فذو الصمت لا يجني عليه لسانه | وذو الحلمِ مَهْدِيٌّ وذو الجهل أَخْرقُ |
ولست - وإن سر الأعادي - بهالكٍ | وليس يُنجّيني من الموتِ مُشْفِقُ |
وأشوسَ ذي ضغنٍ تراهُ كأنَّهُ | ـ إذا أَنْشَدَتْ يوماً رُواتي ـ مُخَنَّقُ |
ولم يأته عني من الشم عاذرٌ | خَلا أنَّ أمثالي تُصيبُ وتَعْرُقُ |
وبدلت من سلمى وحسن صفاتها | رسوماً كسحق البرد بل هي أخلق |
عفتها خسا الأرواح تذرى خلالها | وجالَ على القضِّ الترابُ المدقَّقُ |
وغيرها جونٌ ركامٌ مجلجلٌ | أجشُّ خَصيفُ اللونِ يخبو ويَبْرُقُ |
يلالي وميضٌ مستطيرٌ يشبه | مهامهَ محالاً بها الآلُ يخفقُ |
تنوءُ بأحمالٍ ثِقالٍ، وكُّلها | ـ وقد غرقت بالماءِ ـ ريّانُ مُتْأَقُ |
كأنَّ مصابيحاً غذا الزيتُ فُتْلَهَا | ذبالاً به باتت إذا التج تذلق |
كأنّ خَلايا فيهِ ضَلّتْ رِباعُها | ولَجَّة ُ حُجّاجٍ وغابٌ يُحَرَّقُ |
تَمَرَّضَ تَمْريهِ الجَنوبُ مع الصَّبا | تَهامٍ يَمانٍ أَنْجَدٌ وهو مُعْرِقُ |
يَسُحُّ رَوايا فهو دانٍ يَثُجُّها | هَريتُ العَزالي كُلُّها مُتَبَعِّقُ |
يُسيلُ رمالاً لم تَسِلْ قبلَ صَوْبِهِ | وشقَّ الصِّفا منهُ معَ الصخرِ مُغْدِقُ |
سقى بعدَ مَلْحوبٍ سَناماً ولَعْلَعاً | وقد رَوِيَتْ منهُ تَبوكٌ وأَرْوَقُ |
وأضحت جبال البحتريين كلها | ـ وما قَطَنٌ منها بناجٍ ـ تُغَرَّقُ |
إذا فرقٌ في الدار خارت فنتجت | أتى بعدها من دلح العين فرق |
فأقلعَ ـ إِذْ خَفَّ الرَّبابُ فلم يقُم ـ | رُكامٌ تزجيهِ الشَّمالُ وتَسْحَقُ |
فمنهُ كأمثالِ العُهونِ دِيارُها | لها صبحٌ نورٌ من الزهر مونق |
عفتْ غير أطلالٍ ، تعطف حولها | مراشيقُ أُدْمٌ دَرُّها يُتَفَوَّقُ |
وشُوهٌ كأمثالِ السبائجِ أُبَّدٌ | لها من نتاج البيض في الروض دردق |
يقود الرئال حين يشتد ريشها | خَريقانِ من رُبْدٍ جَفولٍ ونِقْنِقُ |
يكاد إذا ما احتك يعقد عنقه | من اللين مكسو الجناحين أزرق |
فراسنُها شَتَّانِ: وافٍ وناقصٌ | فأنصافُها منهنَّ في الخلق تُسْرَقُ |
نقانقُ عُجْمٌ أُبَّدٌ وكأنَّما | مع الجن باتت بالمواسي تحلق |
ترى حِزَقَ الثيرانِ يحمينَ حائلاً | فكلٌّ لهُ لَدْنٌ سِلاحٌ مُذَلَّقُ |
تُزَجّي المَها السفُعُ الخدودِ جآذِراً | وِراداً إِذا رُدَّتْ من الرِيِّ تَسْنَقُ |
وتخذُلُ بالقيعانِ عِينٌ هَوامِلٌ | لَها زَمَعٌ من خَلْفِ رُحٍّ مُعَلَّقُ |
إذا أجفلت جالت كأن متونها | سيوفٌ جرى فيها من العتق رونق |
وكل مسح أخدري مكدمٍ | له عانة ٌ فيها يظل ويشهق |
بأكفالها من ذبه بشباته | خدودٌ وما يلقى أَمَرُّ وأَعْلَقُ |
إذا انْصَدَعَتْ وانصاعَ كانَ كأنما | بهِ ـ وَهْوَ يَحْدوهاـ من الجِنِّ أَوْلَقُ |
هواملُ في دارٍ كأنَّ رُسومَها | من الدرس عادي من الكتب مهرق |
فمنهُنَّ نُؤْيٌ خاشِعٌ وَمُشَعَّثٌ | وسُفْعٌ ثلاثٌ قد بَلينَ وأوْرَقُ |
فجشمت نفسي - يوم عي جوابها | وعيْنيَ مِن ماءِ الشُّؤونِ تَرقْرَقُ |
من الأرض - دوياً يخاف بها الردى | |
تغربلُهُ ذيلُ الرياحِ تُرابَها | فليسَ لوحشيٍّ بها مُتعلَّقُ |
بِها جِيفُ الحَسْرى ، أُرومٌ عِظامُها | إذا صفحت في الآل تبدو وتغرق |
كأنَّ مُلاءَ المحضِ فوق مُتونِها | ترى الأكم منه ترتدي وتنطق |
ويومٍ من الجوزاءِ مُسْتَوْقِدِ الحصى | تكاد عضاه البيد منه تحرق |
لَهُ نِيْرتا حَرٍّ، سَمومٌ، وشَمْسُهُ | صِلابُ الضَّفا منْ حرِّها تَتَشَقَّقُ |
إذا الريحُ لم تسكُنْ وهاجَ سَعيرُها | وخبَّ السَّفا فيها وجالَ المُخزَّقُ |
وظَلَّتْ حَرابِيُّ الفلاة ِ كأنَّها | منَ الخَرْدلِ المَطْرُوقِ بالخَلِّ تَنْشَقُ |
بأدماء من حر الهجان نجيبة ٍ | أجادَ بِها فَحْلٌ نجيبٌ وأينُقُ |
بَقِيَّة ُ ذَوْدٍ كالمَها أُمَّهاتُها | تخيرها ثم اصطفاها محرق |
لها كاهلٌ مثل الغبيط مؤربٌ | وأَتْلعُ مَصْفوحُ العَلابي عَشَنَّقُ |
وجمجمة ٌ كالقبر بادٍ شؤونها | وسامِعتا نابٍ ولَحْيٌ مُعَرَّقُ |
وعينان كحلاوان تنفي قذاهما | إذا طَرَفتْ أشْفارُ عَيْنٍ وحِمْلِقُ |
وخدّانِ زَانَا وَجْهَ عَنْسٍ كأنَّها | وقد ضمرت قرمٌ من الأدم أشدق |
وخَطْمٌ كَسَتْهُ واضِحاً مِنْ لُغامِها | نفاه من اللحيين دردٌ وأروق |
يُبَلُّ كَنَعْلِ السِّبْتِ طَوْراً وتارة ً | يكفُّ الشَّذا مِنْها خَريعٌ وأَفَرقُ |
يعوم ذراعاها وعضدان مارتا | فكلٌ لهُ جافٍ عن الدفِّ مِرْفَقُ |
مُضَبَّرة ٌ أُجْدٌ كأنَّ مَحالَها | ومابين متنيها بناءٌ موثق |
وتَلوي بِجَثْلٍ كالإهانِ كأنَّما | بِهِ بَلَحٌ خُضْرٌ صِغارٌ وأَغْدُقُ |
مَناسِمُ رِجْليها إِذا ما تقاذَفتْ | يَداها وحُثَّتْ بالدوائرِ، تَلْحقُ |
على لاحبٍ يزداد في اللبس جدة ً | ويبلى عن الإعفاء طوراً ويخلق |
تقلب أخفاقاً بعوجٍ كأنها | مرادي غسانية ٍ حين تعتق |
وكانتْ ضِناكاً قد علا النحضُ عَظْمَها | فعادتْ مَنيناً لحمُها مُتعرَّقُ |
إذا حُلَّ عنها كُورُها خَرَّ عِنْدَهُ | طليحان مجترٌ وأشعث مطرق |
وماءٍ كأنَّ الزيتَ فوق جِمامِهِ | متى ما يذقه فرط القوم يسبق |
فَوَصَّلْتُ أَرْماثاً قِصاراً وبَعْضُها | ضعيف القوى بمحمل السيف موثق |
إلى سفرة ٍ ، أما عراها فرثة ٌ | ضعافٌ ، وأما بطنها فمخرق |
أَلُدُّ بما آلَتْ من الماءِ جَسْرة ً | تكادُ إذا لُدَّتْ من الجهدِ تَشَرقُ |