يا دارُ، يا دارَ أطرابي وأشجاني،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا دارُ، يا دارَ أطرابي وأشجاني، | أبلَى جَديدَ مَغانيكِ الجَديدانِ |
لئنْ تخليتُ من لهوي ومن سكني ، | لقد تاهلتُ من همي ، وأحزاني |
جاءَتك رائحَة ٌ في إثرِ باكِرَة ٍ، | تروي ثرى منك امسى غيرَ ريانِ |
حتى ارى النورَ في مغناك مبتمساً ، | كأنّهُ حَدَقٌ في غَيرِ أجفانِ |
لمّا وَقَفَتُ على الأطلالِ أبكاني | ما كانَ أضحَكني منها وألهاني |
فَما أقُولُ لدَهرٍ شَتّتَتْ يَدهُ | شملي ، واخلى من الأحبابِ أوطاني |
وما أتاني بنُعمَى ظَلتُ لابسَها، | إلاّ انثَنَى مُسرِعاً فيها، فعَرّاني |
كم نعمة ٍ عرفَ الإخوانُ صاحبها ، | لمّا مَضَتْ أنكَرُوهُ بَعدَ عِرفانِ |
و مهمهٍ كرداءِ العصبِ مشتبهٍ ، | قَطّعتُهُ، والدُّجى والصّبحُ خَيطان |
والرّيحُ تَجذِبُ أطرافَ الرّداءِ، كما | أفضَى الشّقيقُ إلى تَنبيهِ وَسنان |
حتى طويتُ على أحشاءِ ناجية ٍ ، | كأنّما خَلقُها تَشييدُ بُنيانِ |
كأنّ أخفافها ، والسيرُ ينقلها ، | دلاءُ بئرٍ تدلتْ بينَ أشطانِ |
لها زِمامٌ، إذا أبصرتُ جَولَتَهُ | حسبتُ في قَبضَتي أثناءَ ثُعبانِ |
إلى هِلالٍ تَجَلّتْ عنهُ لَيلَتُهُ، | باريهِ صورهُ في خلقِ إنسانِ |
لَجّتْ بِنا هُجرَة ٌ، والقَلبُ عندكمُ، | فأطلَقي القَلبَ، أو قُودي لجُثماني |
أنا الذي لم تدَعْ فيهِ محَبّتَكُم | فضلاً لغيركَ من إنسٍ ولا جانِ |
فإن أرَدتِ وِصالاً فاقبلي صِلَتي | منّي وإلاّ، فهجرانٌ بهجرانِ |
ما الودّ مني بمنقولٍ إلى مذقٍ ، | ولَستُ أطرحُ نَفسي حَيثُ تَلحاني |
و لا أريدُ الهوى ، إن لم يكن لهوى | نَفسي ، وبعضِ الهوى والموتُ سِيّانِ |
و ربّ سرٍّ كنارِ الصخرِ كامنة ٍ ، | أمَتُّ إظهارَهُ منّي، فأحياني |
لم يَتّسَعْ مَنطِقي فيهِ ببائحَة ٍ | حزماً ولا ضاقَ عن مثواهُ كتماني |
و ربّ نارٍ أبيتُ الليلَ أوقدها | في لَيلَة ٍ من جُمادى ذاتِ تَهتانِ |
يُقَيّدُ اللّحظَ فيها عن مَسالِكِها، | كأنّها لَبِسَتْ أثوابَ رُهبانِ |
ما زلتُ أدعو بضوءِ النارِ مقترباً ، | يُغري دُجَى اللّيلِ منه شخصُ حَرّانِ |
و قد تشقُّ غبارُ الحربِ لي فرسٌ | مُقَدَّمٌ، غيرُ هَيّابٍ، ولا وانِ |
و قدُّ قائمة ٍ منهُ مركبة ٍ | في مَفصلٍ ضامرِ الأعصابِ ظَمآنِ |
بحَيثُ لا غوثَ إلاّ صارِمٌ ذكَرٌ، | و جنة ٌ كحبابِ الماءِ تغشاني |
و صعدة ٍ كرشاءِ البئرِ ناهضة ٍ ، | بأزرقٍ كاتقادِ النجمِ يقظانِ |
سَلي، فدَيتُكِ، هل عَرّبتُ من مِنَني | خلقاً، وهل رُحتُ في أثوابِ مَنّانِ |
وهل مَزَجتُ صَفائي للصّديقِ، وهل | أودَعتُ، ياهندُ، غيرَ الحمدِ خَزّاني |
و لا عققتُ بجسّ الكأسِ ساقيتي ، | و لا عففتث ، وظلّ الدهرُ ينعاني |
أسررتُ حزناً بها والقلبُ مضطربٌ ، | و راحَ يبني بغيرِ الحقّ إعلاني |
وقد أرِقتُ لبَرقٍ طارَ طائِرُهُ، | والنّومُ قد خاطَ أجفاناً بأجفانِ |
في مُكفهرٍّ كرُكنِ الطّودِ مُصطخِبٍ، | كأنّ إرعادهُ تحنانُ ثكلانِ |