رعينَ كما شئنَ الربيعَ سوارحاً ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
رعينَ كما شئنَ الربيعَ سوارحاً ، | يَخُضْنَ كلُجِّ البحرِ بَقلاً وأعشابَا |
إذا نَسَفَت أفواهُها النَّورَ خِلتَه | مواقعَ أجلامٍ على شعرٍ شابا |
فأفنَينَ نَبتَ الحائِرَينِ وماءَه، | وأجراعَ وادي النخل أكلاً وتَشرابا |
حواملُ شحٍّ جامدٍ فوق أظهُرٍ، | و إنْ تستغثْ ضراتهنّ بهِ ذابا |
بطانُ العوالي والسيوفِ بغرها ، | ويَكشِرنَ أضراساً حِداداً وأنْيابا |
إذا ما رَعَتْ يوْماً حسِبتَ رُعاتَها | على كلّ حيٍّ يأكلُ الغَيثَ أربابا |
فقد ثقلت ظهرَ البلاد نواهكاً ، | إذا ما رآها عينُ حاسدها عابا |
وكان الثّرى فيها مَزاراً مُوَقَّراً، | تضمّنَ شَهداً بل حلا عنه أو طابا |
إذا ما بِكاة ُ الدَّرِّ جادَتْ بمَبعَثٍ، | كما سلّ خيطٌ من سدى الثوب فانسابا |
رأيتَ انهمارَ الدَّرِّ بينَ فُروجِها، | كما عصَرت أيدي الغواسل أثوابا |
كأنّ على حلابهنّ سحائباً ، | تجود من الأخلافِ سحّاً وتَسكابا |
خوازنُ نَحضٍ في الجُلودِ، كأنّما | تُحمَّلُ كُثباناً من الرّملِ أصْلابا |
فتلكَ فداءُ العرضِ من كلّ ذيمة ٍ ، | و مفخرُ حمدٍ يبلغُ الفخرَ أعقابا |
وليلة قُرٍّ قد أهنتُ كريمَها، | و لم يكُ بي شحٌّ على الجود غلابا |
وقُمتُ إلى الكومِ الصّفايا بمُنصُلي، | فصَيّرتُها مَجْداً لقَوْمي وأحْسابا |
فباتَت عَلى أحجارِنا حَبشيّة ٌ | تخاطبُ أمثالاً منَ السودِ أترابا |
يكادُ يبُثُّ العظمَ ماردُ غَلِيها، | إذا لبستْ من يابسِ الجزل جلبابا |
عجالاً على الطاهي بإنضاجِ لحمهِ ، | سراعاً بزاد الضيفِ تلهب إلهابا |
وقد أَغتدي من شأنِ نفسي بسابحٍ، | جوادٍ كميتِ اللونِ يعجبُ إعجابا |
فأتحَفَني ما ابتلّ خَطُّ عِذاره، | فإن شئتُ طيّاراً، وإن شئتُ وثّابا |
فنلنا طريَّ اللحمِ ، والشمسُ غضة ٌ ، | كأنّ سناها صبّ في الأرض زريابا |
فإن أمسِ مطروقَ الفؤادِ بسلوة ٍ ، | كأنّ على رأسي من الشيبِ أغرابا |
و خلتُ نجومَ الليلِ في ظلم الدجى | خِصاصاً أرى منها النهار وأنقابا |
و فجعني ريبُ الزمانِ بفتية ٍ ، | بهم كنتُ أكفى حادثَ الدهر إن رابا |
و آبَ إليّ رائحُ الذكرِ والتقتْ | على القلبِ أحزانٌ ، فأصبحنَ أوصابا |
فقد كان دأبي جنة َ اللهوِ والصبا ، | و ما زلتُ بالذاتِ والعيشِ لعابا |
وليلة ِ حُبٍّ قد أطَعتُ غَوِيَّها، | وزُرتُ عَلى حَدٍّ من السيفِ أحبابا |
فجِئتُ على خوْفٍ ورُقبة ِ غائرٍ، | أُحاذِرُ حُرّاساً غِضاباً وحُجّابا |
إلى ظبية ٍ باتتْ ترى في منامها | خيالي ، فأذناني ، وما كان كذابا |
وكأسٍ تلقّيْتُ الصّباحَ بشُرْبِها، | وأسقيتُها شَرباً كِراماً وأصحابا |
ثوت تحتَ ليلِ القارِ خمسينَ حجة ً ، | تردُّ مهوراً غالياتٍ وخطابا |
وكنتُ كما شاءَ النّديمُ، ولم أكُنْ | عليها سفيهاً يفرسُ الناسَ صخابا |
وغِرّيدِ جُلاّسٍ تَرى فيه حِذقَه، | إذا مسّ بالكفينِ عوداً ومضرابا |
كأنّ يديه تلعبانِ بعودهِ ، | إذا ما تَغَنّى أنهضَ النّفسَ إطرابا |
وقُمريّة ِ الأصواتِ حُمْرٍ ثيابُها، | تهينُ ثيابَ الوشي جراً وتسحابا |
وتلقَطُ يُمناها، إذا ضربت به، | وتَنثُرُ يُسراها على العُودِ عُنّابا |
و ديمومة ٍ أدرجتها بشملة ٍ ، | تشكى إليّ عضَّ نسعٍ وأقتابا |
تَفِرُّ بكفّيْها، وتطلُبُ رحلَها، | و تلقي على الحادينَ ميسانَ ذبابا |
كأنّي علَى طاوٍ من الوَحشِ ناهضٍ، | تَخالُ قُرُونَ الإجل من خلفِه غابا |
غدا لثقاً بالماءِ من وبلِ ديمة ٍ ، | يقلبُ لحظاً ظاهرَ الخوفِ مرتابا |
فأبصرَ لمّا كانَ يأمنُ قلبُه، | سلوقية ً شوساً تجاذبُ كلابا |
وأطْلَقنَ أشْباحاً يُخَلْنَ عَقارِباً، | إذا رفعتْ عندَ الحفيظة ِ أذنابا |
فطارت إليه فاغراتٍ كأنها | تُحاوِلُ سَبقاً، أو تُبادِرُ إنهابا |
وماءٍ خَلاءٍ قد طرقتُ بسُدفة ٍ، | تخالُ به رِيشَ القَطا الكُدرِ نُشّابا |
و قد طالما أجريتُ في زمن الصبا ، | وآمَنَ شَيطاني مِن الآن أو تابا |
أرى المرءَ يدري للرزقِ ضامناً ، | و ليس يزالُ المرءُ ما عاشَ طلابا |
و ما قاعدٌ إلاّ كآخرَ سائرٍ ، | و إن أدأبَ العيسَ المراسيلَ إدآبا |
فيا نفسِ ! إنّ الرزقَ نحوكِ قاصدٌ ، | فلا تَتعَبي، حَسبي من الرّزق أتعابا |