قالوا: صبا، يا مَن رأى مستهامْ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قالوا: صبا، يا مَن رأى مستهامْ | حجاهُ كهلٌ وهواهُ غُلامْ |
لعلّهُ صَادَ، ولم يعلموا، | رئماً، حلالٌ صيدهُ لا حرام |
أو زاره طيفٌ خفيّ الهوى | يَطْرُقُهُ في الوهم لا في المنام |
كأنّ تمثال سليمى اجتلى | عليه منها خَفرا واحتشام |
وربّما هاجَ اشتياق الفتى | تألّقُ البرقِ وسجعُ الحمام |
أو نفحة ٌ تعبقُ من روضة ٍ | تُحيي من الصبّ رَميمَ العظام |
غزالة ُ السرب التي جسمها | معانُ مسكٍ ما علاه ختام |
لله ما صورَ في فكرتي | بردُ المنى منها وحرّ الغرام |
تمشي، وسكر التيه في عطفها | يُميلُ منها باعتدال القوام |
يا من رأى في غُصنٍ روضة | يسمعُ منها للأقاحي كلام |
يخبرُ من فاز بتقبيلها | عن بَرَدٍ تنبعُ منه مُدام |
أذكى من المندلِ في ناره | ما ساكتِ الدّرَّ به من بشام |
كأن في فيها عبيراً إذا | تفجّرَ النورُ وغار الظلام |
جسمُ لجينٍ ناعمٌ لَمْسُهُ | لصفرة ِ العسجد فيه اتّهام |
قد حازها البعدُ فَمِن دونها | ركوبُ طامٍ موجهُ ذو سنام |
تسافرُ الأرواحُ ما بيننا | والسرّ فيما بيننا ذو اكتتام |
كأنما تحملُ أنفاسها | لطائماً ضُمّنّ مسكَ السّلام |
وهي من العفة لم تَدْرِ مَنْ | جُنّ بها دونَ الغواني وهام |
فتّاكة ٌ باللّحْظِ وارحمتا | منها لقلبِ الدّنِفِ المستهام |
كأنما علّمَهُ فتْكَهُ | سيفُ عليّ يومَ تفليقِ هام |
مُمَلَّكٌ في ملك آبائه | أيُّ كريمٍ أنجبته كرام |
ذو ميبة ٍ تَحْسَبُ في دَسْتِهِ | قَسْوَرَة َ الغيلِ وَبَدْرَ التمام |
مترجمٌ عنه لسانُ العُلى | فيما عَنَاهُ أو لسانُ الحسام |
وكلّ جبّارٍ أتى أرضهُ | مقبل بالرغمِ منه الرّغام |
يُقَدِمُ ما بين العوالي إذا | ما نكلَ المقدامُ عنه وخام |
يملأ جنب القرنِ من طعنة ٍ | نجلاءَ يرغو شِدقُها وهو دام |
مؤيَّدٌ بالله ذو عِصمة ٍ | للدين تأييدٌ به واعتصام |
أسنَّة ُ الأعداءِ في حربه | أطعنُ منها إبرٌ في ثمام |
ذا كعبة ُ الجودِ الذي كفُّهُ | ركنٌ، لنا لثمٌ به واستلام |
لا تحسبوها حجراً إنّها | من ساكبِ المعروف أختُ الغمام |
يَمُدّهُ المَدْحُ لِبذلِ النّدى | كمدّهِ المرهفَ يوم اقتحام |
وتقبض الحرمانَ منه يدٌ | تَبْسُطُ للوفدِ العطايا الجسام |
للبحر بالريح عُبابٌ كذا | جدواه إن أسمِعَ فيها الملام |
إن سابقَ القُرّحَ أبْصَرْتهُ | أمامها سَبْقاً يثيرُ القتام |
إنَّ الأنابيب لمأمومة ٌ | في الرمح، واللهذمُ فيها إمام |
لا يغتررْ بالعفو من سلمه | أعداؤه، فالحربُ دار انْتقام |
أخافُ، والموتُ بهم واقعٌ، | أنْ يُفطرَ الصمصامُ بعد الصيام |
يُمْلِي لمن يُغْرَى به نقمَة ً: | بالبطءِ في النزعِ نفوذِ السهام |
إذا نحيّرنا فقولوا لنا: | أكان رضوى حِلمُهُ أم شَمام |
لو رَكَنَ الباغي إلى عزِّهِ | ما قعدَ الذلّ عليه وقام |
منفردٌ بالبأس في نفسه | سكونُهُ فيه حَرَاكّ اعتزام |
كأنَّه جيشٌ لهامٌ حدا | من أُسُدِ الأبطال جيشاً لهام |
أثوابهمْ فيه وتيجانُهُمْ | قُمصُ الأفاعي وتريكُ النعام |
من كلّ فتّاكٍ بأقرانه | له حياة ٌ تَغْتَذي بالحِمام |
فَصَيْحَة ُ الرّوْعِ وطعمُ الرّدى | لديه كالشّدو على شربِ جام |
إنّ ابن يحيى من وكوف الحيا | في زمنِ المحل ليهمي انسجام |
فمن حياءٍ لا تَرى وَجْهَهُ | إلا وللغيم عليه لثام |
لئن تزاحمنا بساحاته | «فالمَوْردُ العذبُ كثير الزحام» |
نطولُ من ساعات أفراحِهِ | بالسّعْدِ ما يقصرُ عنه الأنام |
أقسمتُ ما بهجة أيّامه | في عَبْسَة ِ الأيام إلا ابتسام |
يا منْ إذا مالَ زمانٌ بنا | عن حكمنا قوّمه فاستقام |
لك المذاكي والمواضي التي | تَمَيّعَ الماءُ بها في الضرام |
من كلّ يعبوبٍ كريح الصَّبا | يطير جرياً ما أراد اللجام |
وكلّ ماضي الحدّ في جفنه | عينُ الردى ساهرة ٌ لا تنام |
انصفتَ همّاتِكَ، أعْظِمْ بها | لم يُنْصِفِ الهمّاتِ مثلُ الهمام |
قابلكَ العامُ الذي تشتهي | فابقَ لنا من بعدهِ ألفَ عام |
إنَّ المنى في سلكه نُظّمَتْ | وإنّه أوّلُ درِّ النظام |
فقارنِ السعدَ على أفقهِ | وأنْتَ في العمرِ فرينُ الدوام |
موشحٌ شبليك في عزّة ٍ | قعساءَ مرماها بعيدُ المرام |
والجودُ في يمناك منه حيا | واليُمْنُ في يُسْراكَ منه زمام |